الخميس، 28 يونيو 2012

إلـى تلامـيذ البـاكالـوريـا...

    بعد تفكير طويل أجد نفسي مضطرا لكتابة هذه الكلمات الموجزة على شكل همسات خفيفة، وكلي أمل أن تجد آذانا صاغية، وقلوبا واعية.. 
  أما قبل فللنجاح قيمة كبيرة في حياة الإنسان، إذ يساعده على تحقيق توازنه في الحياة، كما يجعله يحس بسعادة كبيرة، لأنه دلالة على تحقيق الإنسان لذاته وكينونته. ويبقى النجاح في الباكالوريا واحدا من تلك الإنجازات الهامة، لأنه نجاح بطعم خاص، يظل أثره وصداه مرافقا للإنسان طوال حياته، أعظم به من نجاح وأكرم به من ناجح. لكن ماذا بعد نيل شهادة الباكالوريا ؟
  كثيرة هي التساؤلات التي تراود الناجحين بعد النجاح مباشرة، وعديدة هي الآفاق التي تفتح أمامهم، ما يجعلهم يصابون بحيرة ما بعدها حيرة... نعم فالباكالوريا محطة أساس تعطي للمتعلم دفعة قوية، وتضخ في شرايينه دماء جديدة، خاصة إذا حصل عليها بمعدل متميز، إذ يبذ أقرانه، وتزداد ثقته بذاته... لكن مع ذلك لا ينبغي أن يغتر الإنسان بنفسه وبهذا الإنجاز، لأننا إذا نظرنا إليه من زاوية نجده إنجازا يستحق التشجيع، وإذا نظرنا إليه من زوايا أخرى نجده عاديا ومطلوبا في الآن ذاته، فهو مطلوب لضمان الاستمرارية التعليمية، ومطلوب لتعويض مجهودات الأسرة، الدعامة والسند والعزاء الوحيد للتلاميذ في السراء والضراء، ومطلوب لرد بعض المعروف، بإدخال الفرحة في قلوب من يهتمون لحالك (الأسرة)، ورفع رؤوسهم عاليا داخل محيطهم.. لن أنكر أنني التقيت بعض آباء وأولياء التلاميذ الذين حصلوا على الباكالوريا، ودخلت معهم في دردشة خفيفة مقصودة، وكم كانت سعادتهم وفرحتهم كبيرة، فرحة خفية ومتوارية، ربما لم ولن يستشعرها أبناؤهم، بحكم بعد المسافة (الفكرية) بينهم، وغياب التواصل الذي نراه أساسا في مثل هذه الحالات وغيرها، فالتواصل أساس العلاقات البناءة والهادفة..
إذا كانت الباكالوريا قد حظيت منذ القدم بمكانة خاصة، فهي كذلك اليوم أو أكثر، وإن كان المستوى متدنيا بعض الشيء، فهذا لا ينقص أو يحط من قيمتها أبدا، واسأل عن ذلك من لم تسعفه الظروف لنيلها..
   إننا ونحن نكتب هذه السطور التي اعتبرناها منذ البدء مجرد همسات خفيفة لا نقصد بها توجيه الناجحين إلى تخصصات معينة ومحددة، بل الهدف مساعدتهم على اختيار الأفضل والأحسن لهم لاستكمال دراستهم في أحسن الظروف والأحوال، معتمدين في ذلك على الله تعالى وتجربتنا المتواضعة في هذا الباب، فالأخطاء التي وقعنا فيها نحن يجب عليك أنت أيها الناجح الاستفادة منها بتفاديها وتجنبها، عن طريق اختيار أقرب التخصصات والشعب إلى نفسك، التخصص الذي ترى نفسك أهلا له، وتشعر براحة كبيرة فيه، لأن الدراسة رغبة وحب قبل كل شيء، يحسن بكم اختيار التخصص والتوجه الذي ترون أن هناك ميلا وانجذابا خاصا لنفسكم إليه، لا أقول شعبة الآداب أو الدراسات الإسلامية شعبة ضعيفة ليس لها آفاق أو العلوم أو اللغات أو أي شيء من هذا القبيل، إن لكل تخصص قيمته وأهميته ومكانته، وهذا ما يجب أن ندركه ونؤمن به، لكن المشكل الأساس في الرغبة والجلد الذي يتطلبه كل تخصص.. إن لكل تخصص مزاياه ووسائله، فإن رأيت نفسك تمتلك وسائل ومفاتيح تخصص ما فعليك به، متسلحا بالرغبة والعزيمة والعمل الجاد، ولا شك أنك ستصل، نعم ستصل، أتعلم لماذا؟  لأنك ترغب في ذلك، وهذا هو الأهم. كم من طالب اختار تخصصا ما فقط لأن صديقه اختاره، أو لأنه يرغب في أن يقال إن فلانا يدرس التخصص الفلاني، إن كان الأمر كذلك فقد قيل، فماذا عنك أنت ؟ هل أنت فعلا أهل لذلك التخصص ؟ ألن يكون ذلك سببا مباشرا في فشلك الدراسي، بالرسوب تلو الرسوب ؟

   إن الحياة تجارب واختبارات علينا معرفة الطرق والأساليب الناجحة والناجعة للوصول إلى بر الأمان..
  مسألة أخرى مهمة أرى من اللازم ذكرها، وهي أنه يجب بل يتوجب علينا ألا ندرس من أجل الوظيفة والعمل، لأن ذلك أبرز وأهم مطبث للإنسان في مشواره العلمي الدراسي، بل يجب أن ندرس ونتعلم بهدف التعلم ومحاربة الجهل، أخطر عدو للإنسانية، لأنه كلما درس الإنسان وتعلم إلا علم وأيقن أنه لم يكن يعرف شيئا من قبل، وهذه ميزة الحياة، وسر من أسرارها.
  إن التخصصات الدراسية كلها طرق وسبل تؤدي إلى نفس المكان، إنها في الأخير تساعد على عبادة الله تعالى على الوجه الذي يجعله راضيا عنا، كما أنها تساعد الإنسان على الرقي والسمو درجات في هذه الحياة، فلا فضل لواحدة منها على الأخرى، وإن كانت الدولة تحرص وتعمل على تلميع صور بعض التخصصات في نظر طلابنا، قصد الاستجابة لمتطلبات الحياة، وإلا فجميعها يجعل الإنسان يصل إلى أهداف كبرى وسامية، إن لم يكن لا قدر الله على المستوى الاجتماعي بالحصول على وظيفة ومكانة داخل المجتمع، فعلى المستوى الشخصي، لأنه كما قال تعالى: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون".
  ختاما أحب أن ألفت نظر طلابنا إلى التكوين المهني، يجب عليكم ألا تغيبوا هذا التخصص، وتلتفتوا إليه لأنه هو الآخر أصبح في عصرنا الراهن يحظى بمكانة خاصة.
    أخيرا أؤكد مرة أخرى أن العزيمة والرغبة الجادة التي يجسدها العمل أساس ومفتاح كل شيء .
والله الموفق لما فيه الخير
 خطه اسماعيل عبد الرفيع           
تمزموط في02/08/2009.


هناك 15 تعليقًا:

  1. شكرا لك اخي اسماعيل على هذه الهمسات التي ارجو ان تجد اذانا صاغية
    اوافقك الراي في كثير مما اثرت هنا و لطالما نصحت به من يسألني عن الشعبة الأحسن و ألخص له الجواب في " أحسن شعبة هي الشعبة التي تعتقد أنك ستكون فيها من الأوائل " وخاصة في بلد يخشى فيه الطلبة شبح البطالة...
    شكرا لك على مشاعرك الجياشة تجاه فاذات أكبادنا حتى إنك زاوجت بين مخاطبة الجمع والمفرد
    تحياتي

    ردحذف
  2. هذا واجب أستاذ الفاضل تحية على مرورك من هنا

    ردحذف
  3. malomat mofida wa atamana naja7 liljami3
    incha allah

    ردحذف
  4. اسماعيل عبد الرفيع5 ديسمبر 2012 في 3:19 م

    آمين يا رب العالمين موفق إن شاء الله
    العمل العمل والجد الجد يا شباب فمن أراد العلا سهر الليالي

    ردحذف
  5. شكرا لك على مشاعرك الجياشة تجاهنا

    ردحذف
    الردود
    1. اسماعيل عبد الرفيع29 أبريل 2013 في 4:09 م

      هذا واجب مرحبا بك

      حذف
    2. ايوب ايت موسى3 مايو 2013 في 1:04 م

      شكر الله لك مجهودك وهتمامك ونصائحك داخل الفصل وخارجه ، ولطالما اعتبرناك قدوة٠

      حذف
    3. اسماعيل عبد الرفيع3 مايو 2013 في 4:40 م

      على الرحب والسعة،مرحبا، أتمنى التوفيق للجميع

      حذف
  6. شكر الله لك مجهودك وهتمامك ونصائحك داخل الفصل وخارجه يا استاذ

    ردحذف
    الردود
    1. اسماعيل عبد الرفيع14 فبراير 2015 في 7:39 ص

      هذا واجبنا.. شكرا على مرورك من هنا

      حذف
  7. كفيت ووفيت صدقت كلامك كله منطق

    ردحذف