إبداع

بوح الفؤاد... 

صرخ الزوج بصوت مرتفع ذوى في السماء وقد اغرورقت عيناه، تذكري أني أحبك وقد أحببتك دائما... ومن يحب لا يستسلم أبدا...اقرأ المزيد
امتقعت وارتعدت وتأهبت أكثر لإلقاء نفسها من النافذة، كانت كلبؤة تزأر في قفص حريري، توزع نظراتها بينه وبين الشارع الذي بدا في عينيها ملاذا وخلاصا ينتظرها بفارغ الصبر.
حاول الاقتراب منها أكثر، لكنها منعته من ذلك، صرخت بأعلى صوتها:
- إن اقتربت أكثر سألقي بنفسي من النافذة.
تسمر الزوج في مكانه، ابتلع ريقه، وانتفخت أوداجه، مد ذراعيه إليها مبتهلا ومتوسلا، في محاولة منه لثنيها عن غيها.
نظرت إليه نظرة ملؤها الحزن والأسى، وتمتمت:
- أنا أعلم فعلا أنك تحبني، لكني لست المرأة التي تستحق حبك، لقد عجزت عن إسعادك، عجزت عن منحك ما كنت تحلم به، أنا لا أستطيع إنجاب طفل لك، أنا لا أصلح لشيء… لا أصلح لشيء…
قاطعها قائلا :
- لكني أحبك كما أنت، هكذا. ومن قال إني أريد طفلا منك؟
ردت بصوت مرتفع وهي تكفكف دموعها:
- كاذب، كاذب، كاذب…كعادتك دائما تظهر ما لا تخفي، ليس هناك رجل في الكون لا يراوده إحساس الأبوة، عبثا حاولت إخفاء ذلك عني، لكن عينيك تكذبان ذلك كلما لمحت أطفالا صغارا يلعبون في الشارع.
قاطعها قائلا:
- وما ذنبكِ أنتِ في ذلك. تلك مشيئة الله، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، اهدئي وتعقلي…
- ما سأفعله هو عين العقل، يجب أن أضع حدا لمعاناتك، لقد أخطأتَ العنوان. لا تزال شابا حاول أن تبدأ حياة جديدة، فأمامك الكثير من الوقت… يصعب علي أن أراك في أحضان امرأة أخرى لذا فكرت أنه يتحتم علي أن أنسل من حياتك، ولا سبيل إلى ذلك إلا بهذه الطريقة، إنه الحل الأمثل لكلانا… وداعا يا حبيبي وداعا…
- لا لا لا…
حاول إنقاذها لكن الوقت كان قد فات…حبيبته أصبحت من الماضي. ست سنوات من العشرة تتحول في لحظة وجيزة إلى كابوس، ذكرى أليمة، ظلت تسكنه، يعيشها في كل دقيقة من حياته، يشعر معها بالدوخة والأسى.
كان يضع على وجهه قناعا ليكون الأسى أنكى وأبقى…
لم يكن يقدر معنى الحزن و الوحدة إذا اجتمعا في سكون الليل البهيم…
تساءل مرارا: ما فائدة الحياة بعدها ؟ أكان ما جرى قدرا محتوما، أم تهورا مذموما؟
عب بطريقة هستيرية من زجاجة النبيذ التي أصبحت لا تفارق يمناه، حاول أن ينام لكنه لم يسطع ذلك، فصورتها تملأ المكان، إنه يراها في كل زاوية من أرجاء البيت، في السرير، في الحمام، في المطبخ، في الحديقة، تطل عليه من التلفاز، من النافذة المشؤومة…
ذات مساء وهو جالس بغرفته وحيدا يحتسي نبيذه، ويتأمل حياته، يسترجع ذكريات الماضي ويعيشها مرة أخرى، خيل إليه أنه يسمع صوتا يناديه من بعيد، صوت مألوف بالنسبة له، تحسس مصدر الصوت، لكن الصوت يبتعد كلما اقترب منه…ظل يتعقب مصدره إلى أن ألقى بنفسه من تلك النافذة، وهو يردد سميعا دعوتِ، سميعا دعوت...
  شامان

 

هناك 6 تعليقات:

  1. قصة جميلة وانا اقراها عشت مع الاحداث
    وفقك الله اخي

    مريم

    ردحذف
  2. اسماعيل عبد الرفيع15 يناير 2013 في 1:58 م

    شكرا على الملاحظة، ذاك هو دور الأدب بصفة عامة وهدفه، أن يجعلك السارد تعيش الأحداث تتأثر وتنفعل وتنتظر مصير البطل أو يجعل مخيلتك تتخيل مجموعة من الأشياء، قد تتحقق وقد لا تتحقق...
    مرة أخرى شكرا على مرورك من هنا

    ردحذف
  3. قصة حزينة جدا كما انها تبين لنا مدى مرارة الفراق وفقك الله يا استاد

    ردحذف
    الردود
    1. بعد السلام، تحية أدبية سارة ومرحبا بك صديقة للمدونة

      حذف
  4. slt mr ismail machkor ojazak alah alf khir o ibda3atak raw3 wafa9ak lah

    ردحذف
    الردود
    1. اسماعيل عبد الرفيع8 يونيو 2014 في 9:15 ص

      شكرا على الزيارة، مرحبا بك سارة على الدوام...

      حذف