واحة تمزموط وسد المنصور الذهبي
الــواقع والآفـــاق...
يكتسي الماء أهمية بالغة في حياة الإنسان، إذ بدونه
تنعدم الحياة، بل وتستحيل، لهذا توجب على الإنسان الحفاظ على هذه النعمة،
وذلك بحسن تدبيرها واستغلالها بالشكل المناسب.. لتفادي كل ما قد ينجم عن
عكس ذلك من مشاكل وصعوبات، لهذا التجأت الدولة في الفترة الأخيرة إلى
اعتماد سياسة عقلنة توزيع هذه الثروة المائية، بنهجها لسياسة السدود المائية، على مستوى التراب الوطني كافة. ويعتبر "سد المنصور الذهبي" بورزازات، واحدا من هذه السدود، الرامية إلى استغلال مياه "وادي درعة" بشكل منظم، يضمن توزيع الثروة المائية على "واحة درعة" طوال السنة، نظرا لكون هذه الواحة تعاني نقصا حادا في المياه، بفعل مناخها الصحراوي الجاف، الذي يتميز بنذرة التساقطات وشحها، وارتفاع درجة الحرارة على طول السنة... فكرة جيدة لاقت استحسانا كبيرا من لدن الساكنة، الذين استبشروا خيرا لما توسموه من هذه المبادرة والالتفاتة، التي كشفت عن عناية خاصة من جهة المسؤولين بالعالم القروي، والمناطق النائية التي عانت ومازالت تعاني الويلات وشظف العيش- بفعل التهميش والإقصاء، الذي طالها لمدة سنوات- ، وتقاوم قدرها المحتوم، على الرغم من كل شيء، رافعة شعار "نعم للحياة"....
لكن هل استجابت هذه السياسة الجديدة لمتطلبات الساكنة على أرض الواقع؟ أم
أن هذه الجعجعة التي صاحبت تشييد هذا السد العملاق، لا تعدو أن تكون مجرد
حقن تهدئة، ومخدر لآلام عميقة، طالما انتظرت، وتنتظر بفارغ الصبر من يضمد
جراحها؟
إن من طبيعة سكان الجنوب الصبر والجلد والتحدي، لكن هذا لا يعني تحدي القدر الإلهي، الذي اختارهم لعمارة تلك الناحية والجهة المهمشة من المملكة المغربية السعيدة، مهمشة لا لشئ إلا لأنها لم تجد بعد من يحسن تدبير واستغلال مؤهلاتها الطبيعية والبشرية على حد سواء...
سنوات مرت على تشييد وبناء سد "المنصور الذهبي"، لكن هل تحسنت الأوضاع والظروف المعيشية؟ هل تغلبت المنطقة على معضلة نذرة وشح المياه؟ أبدا... إن الواقع يكذب ويؤكد زيف تلك الشعارات المرفوعة، والنوايا المزعومة، و"واحة تمزموط" بوادي درعة
خير دليل على ذلك، لم يبق لسكان الواحة، الذين لا حول لهم ولا قوة، إلا
الهجرة -إن لم نقل إن معظمهم هاجر، بحثا عن مكان آمن يضمن له ولأسرته العيش
بسلام- أو انتظار الموت البطيء، وإلا فما معنى أنه بعد تشييد سد "المنصور الذهبي" ازدادت الأوضاع والظروف قساوة... ويكفي، لبيان صحة ذلك، عقد مقارنة بين ماضي وحاضر الواحة اليوم، للتأكد من أن هذا السد نقمة على المنطقة بدل أن يكون نعمة عليها.
لقد كان سكان الواحة في الماضي يحققون اكتفاء ذاتيا فيما يتعلق بالحبوب
وبعض الفواكه الرطبة والجافة، بالإضافة إلى تزويد السوق الوطنية بالتمور، ذات الجودة العالية، التي تعتبر المنتوج رقم واحد للمنطقة، بالاعتماد على العناية الإلهية أولا، ومجهوداتهم الخاصة ثانيا، لكن ماذا عن حالهم اليوم، وبعد أن تدخلت الدولة، في شخص الجهات المختصة للنهوض بالعالم القروي؟ لقد
أصبح ذلك كأن لم يكن، بل ضربا من الخيال والأحلام، ماتت أشجار النخيل
واللوز والرمان والحناء... ونفقت الدواب والماشية، واكتوى السكان بنار
الفرقة بين الأحباب: الزوج والزوجة، الأب والابن، الأخ والأخت، بفعل الهجرة
الداخلية والخارجية، وفرقة الأرض أشد وطئة ووقعا على الكائن الحي، ولسان الحال يردد:
لا أحد يجادل أن مدينة ورزازات "هوليود المغرب"، كما يحلو للبعض نعتها، حباها
الله بمعطيات طبيعية هامة، ساعدت الدولة وجعلتها تفكر في تحويلها إلى قبلة
سياحية خاصة لإنتاج الأفلام والمسلسلات، وهذا يستدعي ويتطلب من الدولة
توفير التجهيزات والبنى التحتية الكفيلة بإنجاح هذا المشروع، ما يعني إقامة فنادق ضخمة، ونوادي للترفيه والتنشيط (مثل الكولف)،
لإضفاء صفة المدنية على هذه المدينة، ولا شك أن هذه الفنادق والنوادي
تحتاج هي الأخرى إلى مناطق خضراء، والمناطق الخضراء تحتاج إلى الماء، وبما
أن مدينة ورزازات تعاني أصلا من نقص في المياه، فما الحل إذن؟
إن الحل في نظر مسؤولينا وبكل بساطة استغلال مياه وادي درعة، وذلك بتشييد سد على هذا الوادي أي "سد المنصور الذهبي" يضمن توفير كمية المياه اللازمة لري وسقي هذه المناطق الخضراء. بذلك يتضح أن مسؤولينا
لم يفكروا أثناء تشييد "سد المنصور الذهبي" في مصلحة سكان المنطقة، كما
يزعمون ذلك، بل كان هدفهم الأساس جلب العملة الصعبة، وإن كان ذلك على حساب
تشريد المواطنين أي سكان المنطقة، ومنهم سكان "واحة تمزموط" طبعا، نعم إنها حقيقة مرة صيغت في قوالب وأقنعة ظاهرها خدمة الصالح العام، وباطنها العذاب...
ترى في صالح من تحويل واحة درعة إلى ما هي عليه الآن؟ أرض خالية من الشباب، رجال المستقبل، وسوق استهلاكية ضخمة من الشيوخ والنساء والأطفال، لما ينتجه شبابها في المدن الكبرى، كالدار البيضاء مثلا. أهو مخطط مسبق من لدن بعض الفاعلين السياسيين في المغرب؟ أم أنه قدر وحكم شارك في صياغته سكان المنطقة أنفسهم؟
أسئلة عالقة ومحيرة، لكنها لن تعجز من أعمل النظر والتأمل فيها عن إدراك حقيقة وأصل المشكلة. ومع ذلك تستمر الحياة...
إضاءة: (حول دوار تمزموط بواحة درعة)
يوجد دوار تمزموط بواحة تنزولين الواقعة بين خ طول ‘60.°5 و ‘20.°6 غرب خط غرينتش وخطي °30 و ‘5.°30
شمال خط الاستواء، وهي واحة تنتشر على طول وادي درعة، بشريط زراعي مسقي،
يضيق أحيانا، اتجاه الضفة اليمنى، وأحيانا أخرى اتجاه الضفة اليسرى،
تخترقها الطريق الوطنية رقم 9، الرابطة بين مدينتي زاكورة وورزازات، وتبتدئ
هذه الواحة، من سد تانسيفت إلى حدود فم أزلاك، كحد فاصل، بينها وبين واحة
ترناتة، وتقسم: إداريا بين قيادة تمزموط و قيادة تنزولين ، وتضم أربع
جماعات قروية، هي جماعة تمزموط، أولاد يحيى الكراير، تنزولين، وجماعة
بوزروال وأجزاء من جماعتي بني زولي والروحا. وبذلك تعد واحة تنزولين واحدة
من أهم الواحات الست المكونة، لما يسمى بدرعة الوسطى.
واحة تمزموط |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق