الخميس، 28 يونيو 2012

أروع ما قيل في الحب

إلـى تلامـيذ البـاكالـوريـا...

    بعد تفكير طويل أجد نفسي مضطرا لكتابة هذه الكلمات الموجزة على شكل همسات خفيفة، وكلي أمل أن تجد آذانا صاغية، وقلوبا واعية.. 
  أما قبل فللنجاح قيمة كبيرة في حياة الإنسان، إذ يساعده على تحقيق توازنه في الحياة، كما يجعله يحس بسعادة كبيرة، لأنه دلالة على تحقيق الإنسان لذاته وكينونته. ويبقى النجاح في الباكالوريا واحدا من تلك الإنجازات الهامة، لأنه نجاح بطعم خاص، يظل أثره وصداه مرافقا للإنسان طوال حياته، أعظم به من نجاح وأكرم به من ناجح. لكن ماذا بعد نيل شهادة الباكالوريا ؟
  كثيرة هي التساؤلات التي تراود الناجحين بعد النجاح مباشرة، وعديدة هي الآفاق التي تفتح أمامهم، ما يجعلهم يصابون بحيرة ما بعدها حيرة... نعم فالباكالوريا محطة أساس تعطي للمتعلم دفعة قوية، وتضخ في شرايينه دماء جديدة، خاصة إذا حصل عليها بمعدل متميز، إذ يبذ أقرانه، وتزداد ثقته بذاته... لكن مع ذلك لا ينبغي أن يغتر الإنسان بنفسه وبهذا الإنجاز، لأننا إذا نظرنا إليه من زاوية نجده إنجازا يستحق التشجيع، وإذا نظرنا إليه من زوايا أخرى نجده عاديا ومطلوبا في الآن ذاته، فهو مطلوب لضمان الاستمرارية التعليمية، ومطلوب لتعويض مجهودات الأسرة، الدعامة والسند والعزاء الوحيد للتلاميذ في السراء والضراء، ومطلوب لرد بعض المعروف، بإدخال الفرحة في قلوب من يهتمون لحالك (الأسرة)، ورفع رؤوسهم عاليا داخل محيطهم.. لن أنكر أنني التقيت بعض آباء وأولياء التلاميذ الذين حصلوا على الباكالوريا، ودخلت معهم في دردشة خفيفة مقصودة، وكم كانت سعادتهم وفرحتهم كبيرة، فرحة خفية ومتوارية، ربما لم ولن يستشعرها أبناؤهم، بحكم بعد المسافة (الفكرية) بينهم، وغياب التواصل الذي نراه أساسا في مثل هذه الحالات وغيرها، فالتواصل أساس العلاقات البناءة والهادفة..
إذا كانت الباكالوريا قد حظيت منذ القدم بمكانة خاصة، فهي كذلك اليوم أو أكثر، وإن كان المستوى متدنيا بعض الشيء، فهذا لا ينقص أو يحط من قيمتها أبدا، واسأل عن ذلك من لم تسعفه الظروف لنيلها..
   إننا ونحن نكتب هذه السطور التي اعتبرناها منذ البدء مجرد همسات خفيفة لا نقصد بها توجيه الناجحين إلى تخصصات معينة ومحددة، بل الهدف مساعدتهم على اختيار الأفضل والأحسن لهم لاستكمال دراستهم في أحسن الظروف والأحوال، معتمدين في ذلك على الله تعالى وتجربتنا المتواضعة في هذا الباب، فالأخطاء التي وقعنا فيها نحن يجب عليك أنت أيها الناجح الاستفادة منها بتفاديها وتجنبها، عن طريق اختيار أقرب التخصصات والشعب إلى نفسك، التخصص الذي ترى نفسك أهلا له، وتشعر براحة كبيرة فيه، لأن الدراسة رغبة وحب قبل كل شيء، يحسن بكم اختيار التخصص والتوجه الذي ترون أن هناك ميلا وانجذابا خاصا لنفسكم إليه، لا أقول شعبة الآداب أو الدراسات الإسلامية شعبة ضعيفة ليس لها آفاق أو العلوم أو اللغات أو أي شيء من هذا القبيل، إن لكل تخصص قيمته وأهميته ومكانته، وهذا ما يجب أن ندركه ونؤمن به، لكن المشكل الأساس في الرغبة والجلد الذي يتطلبه كل تخصص.. إن لكل تخصص مزاياه ووسائله، فإن رأيت نفسك تمتلك وسائل ومفاتيح تخصص ما فعليك به، متسلحا بالرغبة والعزيمة والعمل الجاد، ولا شك أنك ستصل، نعم ستصل، أتعلم لماذا؟  لأنك ترغب في ذلك، وهذا هو الأهم. كم من طالب اختار تخصصا ما فقط لأن صديقه اختاره، أو لأنه يرغب في أن يقال إن فلانا يدرس التخصص الفلاني، إن كان الأمر كذلك فقد قيل، فماذا عنك أنت ؟ هل أنت فعلا أهل لذلك التخصص ؟ ألن يكون ذلك سببا مباشرا في فشلك الدراسي، بالرسوب تلو الرسوب ؟

   إن الحياة تجارب واختبارات علينا معرفة الطرق والأساليب الناجحة والناجعة للوصول إلى بر الأمان..
  مسألة أخرى مهمة أرى من اللازم ذكرها، وهي أنه يجب بل يتوجب علينا ألا ندرس من أجل الوظيفة والعمل، لأن ذلك أبرز وأهم مطبث للإنسان في مشواره العلمي الدراسي، بل يجب أن ندرس ونتعلم بهدف التعلم ومحاربة الجهل، أخطر عدو للإنسانية، لأنه كلما درس الإنسان وتعلم إلا علم وأيقن أنه لم يكن يعرف شيئا من قبل، وهذه ميزة الحياة، وسر من أسرارها.
  إن التخصصات الدراسية كلها طرق وسبل تؤدي إلى نفس المكان، إنها في الأخير تساعد على عبادة الله تعالى على الوجه الذي يجعله راضيا عنا، كما أنها تساعد الإنسان على الرقي والسمو درجات في هذه الحياة، فلا فضل لواحدة منها على الأخرى، وإن كانت الدولة تحرص وتعمل على تلميع صور بعض التخصصات في نظر طلابنا، قصد الاستجابة لمتطلبات الحياة، وإلا فجميعها يجعل الإنسان يصل إلى أهداف كبرى وسامية، إن لم يكن لا قدر الله على المستوى الاجتماعي بالحصول على وظيفة ومكانة داخل المجتمع، فعلى المستوى الشخصي، لأنه كما قال تعالى: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون".
  ختاما أحب أن ألفت نظر طلابنا إلى التكوين المهني، يجب عليكم ألا تغيبوا هذا التخصص، وتلتفتوا إليه لأنه هو الآخر أصبح في عصرنا الراهن يحظى بمكانة خاصة.
    أخيرا أؤكد مرة أخرى أن العزيمة والرغبة الجادة التي يجسدها العمل أساس ومفتاح كل شيء .
والله الموفق لما فيه الخير
 خطه اسماعيل عبد الرفيع           
تمزموط في02/08/2009.


قالوا عن القصة المغربية

القصة القصيرة المغربية، كانت في منطلقها استجابة أدبية حداثية لتحول تاريخي وسوسيوثقافي عميق إعترى المجتمع المغربي٬ ومس بنيته التقليدية المغلقة إثر الرجة الإستعمارية الموقظة من سبات و المحركة من ثبات. كما كانت من نحو آخر٬ ثمرة لمثاقفة مزدوجة، ويتعلق طرف منها بالغرب، ( فرنسا على الخصوص)، ويتعلق طرفها الثاني بالشرق العربي (مصر على الخصوص)٠
.........
وبعبارة محددة، فقد مس هذا التحول في الأساس كلا من تيمات thémes ومضامين القصة القصيرة المغربية من جهة، كما مس أنساقها و أشكالها من جهة ثانية. أي مس العروض القصصي الكلاسيكي في الصميم، على نحو يماثل و يشاكل التحول الذي مس العروض الشعري الكلاسيكي، ومس القصيدة المغربية الحديثة، ذات الصلات الحميمة بالقصة القصيرة، حتى أضحت القصة في بعض الأحيان،قصيدة. كما أضحت القصيدة قصة، لدى كثير من القاصين و الشعراء الذين عقدوا مايشبه القران بين هذين النوعين الأدبيين.
وهكذا يمكن القول بأن العقود الستة الماضية قد شهدت تحولا متمرحلا على مستوى "البارديغم" paradigume أو الهاجس القصصي .
وبصيغة توضحية مجملة و موجزة، يمكن القول بأن الهاجس الأساس الذي شغل بال، القصة القصيرة المغربية وغذى مادتها الحكائية، خلال الأربعينيات والخمسينيات، كان هاجسا وطنيا ونضاليا، إكتسى أقنعة وأشكالا مختلفة، مع بساطة العروض القصصي وتلقائية أدائه وبنائه .
وفي الستنيات و السبعينيات، وهي مرحلة اختمار واستواء القصة المغربية، كان الهاجس الذي شغل بالها وغذى مادتها الحكائية، هاجسا إجتماعيا وسياسيا ساخنا٬ بحكم السياق التاريخي المتوتر و الملغوم للمرحلة، وهي المرحلة الموسومة مغربيا ب ( سنوات الجمر و الرصاص) .
أما في الثمانينيات و التسعينيات، التي شهدت ولادة أجيال و أسماء قصصية جديدة، كما شهدت إنحسارا و جزرا على مستوى التطلعات و الطموحات السياسية و الإديولوجية السابقة، فقد أضحى الهاجس الذي يشغل بال القصة القصيرة ويغذي مادتها الحكائية، حين تحضر و تتأتى هذه المادة ، هاجسا ذاتيا و فرديا، ينحو منحى غنائياـ منولوجيا يهتم بهموم الذات ومعاناتها الخاصة من جهة، وبتفاصيل الحياة اليومية وأشيائها الصغيرة من جهة ثانية، جاعلا من الكتابة القصصية تجربة أو صبوة إبداعية خالصة، لا علاقة لها بالسياسي و الإديولوجي المباشر٬ إلا على مستوى الدلالة التأويلية التي يمكن أن يستخلصها القارئ ـ المحللل. ذلك أن الأجيال الجديدة من القاصين و القاصات وفدت على الساحة، بعد أن سكن فيها وطيس الإيديولوجيا وخفتت لهبتها، وإن بقيت هذه الساحة مشحونة بتناقضاتها وألغامها، جمرا في رماد .
......
وخلاصة القول التي نتأدى إليها، أن القصة القصيرة المغربية، قد شهدت في الآونة الأخيرة، سواء على يد الأجيال الجديدة أو بعض الرموز من الأجيال القديمة ـ المخضرمة، تحولا عميقا طال مضامينها كما طال أشكالها. وأهم مظاهر هذا التحول ومؤشراته، تكسير القصة الجديدة للعروض القصصي بوحداته الموبسانية المعروفة ( مقدمة / عقدة / تنوير) وعدم أو قلة احتفالها بالمادة الحكائية و الحبكة القصصية، وأيضا عدم أو قلة احتفالها بالأسئلة والهموم الإجتماعية و السياسية الكبرى، التي تأخذ بمخانق المجتمع، وانكفاؤها على "الدوائر المغلقة" و" الأشياء الصغيرة " وجنوحها أحيانا إلى الغموض والتباس الدلالة، واندياح الجملة السردية و الوصفية على العواهن بلا ضوابط حكائية ملموسة و متلاحمة، وبلا تفرقة أوتمييزبين السردي والشعري، وبسيولة لغوية متحررة تفتقد الكثافة والتركيز، علما بأن الكثافة والإقتصاد والتركيز هي من الشروط الأساسية لكل كتابة قصصية جيدة. وحسب عبارة دالة لرائد القصة القصيرة تشيكوف ف ( إن فن الكتابة يتكون بالإضافة إلى الكتابة الجيدة من حذف كل ما هو غير جيد من النص بمعنى آخر ، التطريز على الورق ) .
تلك صورة مرفولوجية ـ كرونولوجية موجزة عن القصة القصيرة في المغرب. تلك صورة أولية عن المشهد القصصي في المغرب. وهو مشهد مسكون في عمقه وقرارته بكل الهموم و الهواجس الثاوية في قعر الوجدان العربي ، من المحيط إلى الخليج .
التحية للقصة القصيرة ، طفلة السرد المشاغبة ، و التحية التقديرية للقصة القصيرة العربية ، مرآة بلورية فاتنة ٬ تجوب الشوارع و الدخائل العربية.

منقول للفائدة عن نجيب العوفي (المشهد القصصي في المغرب (مقاربة كرونولوجية)) موقع طنجة الأدبية

الأربعاء، 27 يونيو 2012

التلاميذ وهول الساعات الإضافية...

"والله أوما درت السوايع لا نجحت"...
بهذه العبارة المركزة والموحية فضلت شيماء الرد على سؤال والدتها للا السعدية التي استشاطت غضبا : "علاش مانجحتيش، أويلي أويلي آش غانكول لباك إلى جا أوسولني..."
نطقت بها الفتاة وقلبها يعتصر ألما لأنها الوحيدة التي لم تنجح من بين صديقاتها الثلاث، لقد ضاع الموسم الدراسي وتبددت معه الآمال، بعد سنة من الكد والجهد، شيماء أصبحت ضحكة في الزنقة، شيماء التي طالما عرفت بالجهد والمثابرة داخل الدوار والمؤسسة.
لم تصدق الأسرة في البداية أن ابنتها رسبت، إذ لا يعقل أن تنجح "رابحة" ابنة الجيران وهي أقل مستوى من ابنتنا وترسب شيماء، غير ممكن، لابد أن في الأمر سرا...
هل كانت شيماء تتغيب دون علمنا بذلك ؟ يتساءل الأب بمضض...
لغز محير لا يمتلك مفتاحه إلا شيماء الموقنة بأن السبب الرئيس في رسوبها هو رفض والدها منحها مصاريف وتكلفة الساعات الإضافية...
السي المعطي الذي يشتغل ليل نهار، يكد ويجتهد لتوفير القوت اليومي لخمسة أطفال شيماء أكبرهم، لم يفكر يوما أنه سيدفع لابنته مقابلا للساعات الإضافية، لعلمه المسبق أن "المخزن" يدفع للأساتذة أتعابهم... فلم إذن ينضاف هذا العبء إلى أعبائه الثقيلة ؟
أما لو علم هو وزجه للا السعدية أن أساتذة شيماء هم أنفسهم أصحاب الساعات الإضافية فسيجن جنونه، وربما يكون ذلك سببا مباشرا لإحجامه عن إرسال ابنته إلى المؤسسة، بعدما طال انتظار الزوج الذي قد يأتي أو لا يأتي لإراحته من تكاليف تعليم ابنته المسكينة...
شامان
المركز التربوي الجهوي
مراكش
2009

السبت، 23 يونيو 2012

تحليل مبسط لقصيدة "في جبال الشمال" لنازك الملائكة لتلامذة الباكالوريا

إذا كانت حركة البعث والإحياء قد اقتصرت على محاكاة الأقدمين والسير على منوالهم عن طريق الاقتداء بأشعارهم شكلا ومضمونا، فإن حركة الشعر الحديث جاءت رد فعل على هذه الحركة، لتكسير بنية القصيدة وتحطيم القيود الفنية الموروثة، بغية تلبية طموحات الأمة العربية، خصوصا بعدما حلت بها نكبة فلسطين 1948 وما رافقها من نكسات.
إذن فما هو الجديد الذي جاءت به حركة الشعر الحر ؟
وما هي خصائص هذه الحركة انطلاقا من القصيدة ؟

بعد اللمحة الأولى للنص وتفحص عتباته نفترض أن الشاعرة ستتحدث عن معاناتها في ديار الغربة، بعيدا عن موطنها الأصلي وهذا يبدو جليا في النص إذ افتتحت نازك الملائكة قصيدتها بأسلوب أمر (عد) وأعادته مرارا وتكرارا داخل القصيدة لعدم تحملها بعدها عن العراق وحنينها إليه، الأمر الذي جعلها تسهب في الحديث عن الطبيعة والغربة، اللتان تشكلان الحقلين الدلاليين للنص، فالألفاظ الدالة على الطبيعة هي (جبال الشمال – الليالي – الرياح...) والألفاظ الدالة على الغربة (عد بنا للذيم تركناهم – شبح الغربة القاتلة...)، هي إذن حقول جاءت لخدمة المضمون الأساس للقصيدة، وتجمعها علاقة وطيدة، فهي تصور لنا الحالة النفسية للشارعة، جراء بعدها عن بلد النخيل، حيث الوجوه الرقاق والأذرع الحانية، وقد صاغت الشاعرة مضامينها في قالب فني أضفى رونقا جماليا على القصيدة، من قبيل الصور الشعرية، كالتشبيه الذي نجده في السطر الشعري السابع، حيث شبهت قوة وشدة عواء الذئاب في بلاد الغربة بصراخ الأسى، الذي ينفجر من داهل قلب الإنسان، سيما عند شهوره بالحزن. والإستعارة، التي وظفتها لتبرز لنا مدى اشتداد الغربة في جبال الشمال، فأصبحت اصوات الرياح تهب بقوة، حتى بلغت درجة النواح، فضلا عن أسلوب الأمر، الذي حضر بقوة داخل النص منذ بدايته إلى نهايته، والشاعرة لا تأمر أحدا، لكنها ترجو عودة القطار عسى أن يعيدها إلى بلدها. ولعل ما يستوقفنا في التحليل الفني لهذا النص استحالة تفكيكه إلى أجزاء، فنازك الملائكة تصف لنا الغربة القاتلة التي تعيشها في جبال الشمال، من حزن وظلام، تقضي أيامها في شوق دائم إلى بلدها، الذي يخلو من المعاناة، وحيث القلوب الصافية تحت ظلال النخيل. علاوة على ذلك، فشكل القصيدة ينبهنا إلى غياب نظام الشطرين، بحيث حل محله نظام السطر، والمقطع الشعري، مما يجعلنا نقف عند الإيقاع الذي اعتمدته الشاعرة في القصيدة، فنجدها من حيث الإيقاع الداخلي توسلت بتكرار بعض الكلمات (في جبال، عد بنا، كل كف، فهناك، انتظار...) بهدف ترسيخ المعنى في ذهن المتلقي وتأكيده، أما من حيث الإيقاع الخارجي، فالشاعرة نظمت قصيدتها على البحور الخليلية، وعمدت إلى تنويع القافية والروي، تبعا للدفقة الشعورية، تلك إذن أهم خصائص شهر التفعلية انطلاقا من القصيدة.


صفوة القول، إن نازك الملائكة وفقت إلى حد ما في تجسيد خصائص الحركة التجديدية ، حيث تناولت موضوعا جديدا ومخالفا للمواضيع المعهودة، وتمردت على مقاييس الشعر القديم، وهذا دليل قاطع على حداثة القصيدة، التي قدمتها لنا بلغة سهلة تتخللها صور حسية تجريدية.


القصيدة:
تقول الشاعرة نازك الملائكة في قصيدة بعنوان: "في جبال الشمال"
عُدْ بنا يا قطار ْ
فالظلام رهيبٌ هنا والسكونُ ثقيلْ
عُدْ بنا فالمدَى شاسعٌ والطريقُ طويل
والليالي قِصارْ
عدْ بنا فالرياحُ تنوحُ وراءَ الظلالْ
وعُواءُ الذئابِ وراءَ الجبالْ
كصراخِ الأسى في قلوبِ البشرْ
عُدْ بنا فعلى المنحدَرْ
شَبحٌ مكفهرٌّ حزينْ
تركتْ قَدَماهُ على كلِّ فجرٍ أثرْ
كلُّ فجرٍ تقضّى هنا بالأسى والحنين
شَبحُ الغربةِ القاتلهْ
في جبال الشّمالِ الحزينْ
*****
عُدْ بنا للجنوبْ
فهناكَ وراءَ الجبالِ قلوبْ
عدْ بنا للذينَ تركناهُم في الضبابْ
كلُّ كفٍّ تلوِّحُ في لهفةٍ واكتئابْ
كل كفٍّ فؤاد
****
عُدْ بنا يا قطارَ الشمالْ
فهناكَ وراءَ الجبالْ
الوجوهُ الرقاقُ التي حجَبَتها الليالْ
عُدْ بنا, عُد إلى الأذرُعِ الحانيهْ
في ظلالِ النخيلْ
حيثُ أيامُنا الماضيهْ
في انتظارٍ طويلْ
وقفتْ في انتظار
تتحرى رجوعَ القطارْ
ديوان نازك الملائكة، المجلد الثاني، دار العودة، بيروت 1997، ص: 126 وما بعدها (بتصرف)

تحليل مبسط لقصيدة "سرنديب" للبارودي لتلامذة الباكالوريا


لقد عرف الشعر العربي ازدهارا كبيرا خلال المرحلة الجاهلية، إلا أن تظافر جملة من العوامل أسهمت في ركوده، خصوصا وأنها تزامنت مع عصر الانحطاط، فظهرت نخبة من الشعراء للنهوض بهذا الموروث. وكان البارودي إمامهم في نظم القصيدة سيرا على خطى الشعراء الفحول، واتخذوا من الشكل القديم للقصيدة نسقا يقتدون به ومثلا يستوحونه.

فما هي مضامين القصيدة ؟ وما خصائصها الفنية والجمالية ؟ وإلى أي حد استطاعت تمثيل اتجاه البعث ؟

انطلاقا من قراءتنا الفاحصة للديباجة والبيت الشعري الأول يتضح لنا أن البارودي سيتحدث عن معاناته جراء نفيه إلى جزيرة سرنديب بعدما رأى طيف ابنته سميرة. ومن المعلوم أن الشاعر استهل قصيدته برؤيته لطيف ابنته بعد زمن طويل من الفراق حتى بدأ يتخيل طيفها. ولكن ذلك لم يمنعه من الافتخار بنفسه ومواجهة الصعاب خاصة في الأبيات الأخيرة للنص.

خدمة لهذه المضامين وظف البارودي حقلين دلاليين اثنين، هما حقل الحنين والشوق، وتدل عليه في النص (طيف- نزوات الشوق – حاد وزاجر – تمثلها الذكرى...)، وحقل الافتخار والاعتزاز بنفسه (ملكت عقاب – أنا المرء لا يثنيه – صبرت على...). وهكذا نجد أن الألفاظ جاءت متقاربة، لأن الشاعر زاوج بين الشوق والافتخار بسبب نفسيته التي أضحت تتأرجح تارة بين الحنين إلى أهله، وتارة بين استرجاع بطولاته وفخره بشهامته.
وللتأثير في نفسية المتلقي استعان الشاعر بجملة من الصور البيانية، ذات وظيفة تزيينية، كالتشبيه في البيت الثالث، حيث صور لنا شدة فراقه لها حتى أصبحت ذكراها ملازمة لمخيلته، وكأنما ينظر إليها من الأعلى، لكنه عاجز عن الوصول إليها. كما يمكننا ملاحظة هيمنة الأسلوب الإنشائي على الأسلوب الخبري ويتمظهر ذلك في البيت السابع والثالث عشر، حيث يتساءل وبشكل استنكاري عما يقوله الأعداء بهتانا في عرضه، ويستفهم عن عدم ثبات هذا الزمان وأناسه، فمنهم أسياد دارت عليهم الدوائر. وأسلوب النداء، قائلا : "فمهلا بني"، فهو يحاول ترشيد البشرية بأن هذه الدنيا ما هي إلا فترة إلى حين. وختم نصه ببيت حكمي، يوجهه لنفسه لتقوية عزيمته، ولنا قراء لكي نعي مدى تغير الحياة وانقلابهاـ لكن سرعان ما تتوارى تلك المعاناة خلف تحقق النص، وموازاة مع ذلك استنجد الشاعر بأسلوب التكرار، فنجده كرر كلماته (طيف، الصبر، العرض،...) وأسلوب التوازي الصوتي، إذ وزع عناصر البيت العاطفي توزيعا هندسيا متكافئا، وذلك كله بهدف ترسيخ المعنى في الذهن، وإضفاء قالب فني على القصيدة. القصيدة التي نظمها على بحر الطويل تماشيا مع غرضها، إلى جانب تمثله لنظام الشطرين المتوازيين، ووحدة القافية والروي.

من خلال سبر أغوار النص يتضح لنا أن البارودي نهج نفس المنهج الذي سار عليه الشعراء القدامى شكلا ومضمونا، وهذا دليل على رغبته في النهوض بالقصيدة وبعثها من جديد. فعلى مستوى المضمون ظل الشاعر وفيا لغرض المعاناة والافتخار، وعلى مستوى الشكل استوقفتنا لغة تمتح مفرداتها من المعجم القديم، في قالب فني تقليدي... وبحق لقد أسهم البارودي بتجربته الشعرية الفريدة في نهضة الشعر العربي وتطوره...


القصيــدة:
قال محمود سامي البارودي بعد وصوله إلى جزيرة "سرنديب" وقد رأى ابنته الوسطى في المنام: تأوب طيف من سميرة زائر            وما الطيف إلا ما تريه الخواطر
تخطى إلي الأرض وجدا وما له         سوى نزوات الشوق حاد وزاجر
تمثلها الذكرى لعيني كأنني              إليها على بعد من الأرض ناظر
فطورا إخال الظن حقا وتارة             أهيم فتغشى مقلتي السمادر
صبرت على كره لما قد أصابني           ومن لم يجد مندوحة فهو صابر
ومن لم يذق حلو الزمان ومره                 فما هو إلا طائش اللب نافر
فماذا عسى الأعداء أن يتقولوا                 علي وعرضي ناصح الجيب وافر
ملكت عقاب الملك وهي كسيرة                  وغادرتها في وكرها وهي طائر
أنا المرء لا يثنيه عن درك العلا                    نعيم ولا تعدو عليه المفاقر
قؤول وأحلام الرجال عوازب                        صؤول وأفواه المنايا فواغر
فما الفقر إن لم يدنس العرض فاضح                 ولا المال إن لم يشرف المرء ساتر
فإن كنت قد أصبحت فل رزية                         تقاسمها في الأهل باد وحاضر
فكم بطل فل الزمان شباته                      وكن سيد دارت عليه الدوائر
فمهلا بني الدنيا علينا فإننا                     إلى غاية تنفت فيها المرائر
وما هي إلا غمرة ثم تنجلي                     غيابتها والله من شاء ناصر
ديوان البارودي، ص: 236-237 (بتصرف)

الأربعاء، 20 يونيو 2012


واحة تمزموط وسد المنصور الذهبي

الــواقع والآفـــاق...
   يكتسي الماء أهمية بالغة في حياة الإنسان، إذ بدونه تنعدم  الحياة، بل وتستحيل، لهذا توجب على الإنسان الحفاظ على هذه النعمة، وذلك بحسن تدبيرها واستغلالها بالشكل المناسب.. لتفادي كل ما قد ينجم عن عكس ذلك من مشاكل وصعوبات، لهذا التجأت الدولة في الفترة الأخيرة إلى اعتماد سياسة عقلنة توزيع هذه الثروة المائية، بنهجها لسياسة السدود المائية، على مستوى التراب الوطني كافة. ويعتبر "سد المنصور الذهبي" بورزازات، واحدا من هذه السدود، الرامية إلى استغلال مياه "وادي درعة" بشكل منظم، يضمن توزيع الثروة المائية على "واحة درعة" طوال السنة، نظرا لكون هذه الواحة تعاني نقصا حادا في المياه، بفعل مناخها الصحراوي الجاف، الذي يتميز بنذرة التساقطات وشحها، وارتفاع درجة الحرارة على طول  السنة...  فكرة جيدة لاقت استحسانا كبيرا من لدن الساكنة، الذين استبشروا خيرا لما توسموه من هذه المبادرة والالتفاتة، التي كشفت عن عناية خاصة من جهة المسؤولين بالعالم القروي، والمناطق النائية التي عانت ومازالت تعاني الويلات وشظف العيش- بفعل التهميش والإقصاء، الذي طالها لمدة سنوات- ، وتقاوم قدرها المحتوم، على الرغم من كل شيء، رافعة شعار "نعم للحياة"....
  لكن هل استجابت هذه السياسة الجديدة لمتطلبات الساكنة على أرض الواقع؟ أم أن هذه الجعجعة التي صاحبت تشييد هذا السد العملاق، لا تعدو أن تكون مجرد حقن تهدئة، ومخدر لآلام عميقة، طالما انتظرت، وتنتظر بفارغ الصبر من يضمد جراحها؟
   إن من طبيعة سكان الجنوب الصبر والجلد والتحدي، لكن هذا لا يعني تحدي القدر الإلهي، الذي اختارهم لعمارة تلك الناحية والجهة المهمشة من المملكة المغربية السعيدة، مهمشة لا لشئ إلا لأنها لم تجد بعد من يحسن تدبير واستغلال مؤهلاتها الطبيعية والبشرية على حد سواء...
   سنوات مرت على تشييد وبناء سد "المنصور الذهبي"، لكن هل تحسنت الأوضاع والظروف المعيشية؟ هل تغلبت المنطقة على معضلة نذرة وشح المياه؟ أبدا... إن الواقع يكذب ويؤكد زيف تلك الشعارات المرفوعة، والنوايا المزعومة، و"واحة تمزموط" بوادي درعة خير دليل على ذلك، لم يبق لسكان الواحة، الذين لا حول لهم ولا قوة، إلا الهجرة -إن لم نقل إن معظمهم هاجر، بحثا عن مكان آمن يضمن له ولأسرته العيش بسلام- أو انتظار الموت البطيء، وإلا فما معنى أنه بعد تشييد سد "المنصور الذهبي" ازدادت الأوضاع والظروف قساوة... ويكفي، لبيان صحة ذلك، عقد مقارنة بين ماضي وحاضر الواحة اليوم، للتأكد من أن هذا السد نقمة على المنطقة بدل أن يكون نعمة عليها.
   لقد كان سكان الواحة في الماضي يحققون اكتفاء ذاتيا فيما يتعلق بالحبوب وبعض الفواكه الرطبة والجافة، بالإضافة إلى تزويد السوق الوطنية بالتمور، ذات الجودة العالية، التي تعتبر المنتوج رقم واحد للمنطقة، بالاعتماد على العناية الإلهية أولا، ومجهوداتهم الخاصة ثانيا، لكن ماذا عن حالهم اليوم، وبعد أن تدخلت الدولة، في شخص الجهات المختصة للنهوض بالعالم القروي؟ لقد أصبح ذلك كأن لم يكن، بل ضربا من الخيال والأحلام، ماتت أشجار النخيل واللوز والرمان والحناء... ونفقت الدواب والماشية، واكتوى السكان بنار الفرقة بين الأحباب: الزوج والزوجة، الأب والابن، الأخ والأخت، بفعل الهجرة الداخلية والخارجية، وفرقة الأرض أشد وطئة ووقعا على الكائن الحي، ولسان الحال يردد:
   لا أحد يجادل أن مدينة ورزازات "هوليود المغرب"، كما يحلو للبعض نعتها، حباها الله بمعطيات طبيعية هامة، ساعدت الدولة وجعلتها تفكر في تحويلها إلى قبلة سياحية خاصة لإنتاج الأفلام والمسلسلات، وهذا يستدعي ويتطلب من الدولة توفير التجهيزات والبنى التحتية الكفيلة بإنجاح هذا المشروع، ما يعني إقامة فنادق ضخمة، ونوادي للترفيه والتنشيط (مثل الكولف)، لإضفاء صفة المدنية على هذه المدينة، ولا شك أن هذه الفنادق والنوادي تحتاج هي الأخرى إلى مناطق خضراء، والمناطق الخضراء تحتاج إلى الماء، وبما أن مدينة ورزازات تعاني أصلا من نقص في المياه، فما الحل إذن؟
  إن الحل في نظر مسؤولينا وبكل بساطة استغلال مياه وادي درعة، وذلك بتشييد سد على هذا الوادي أي "سد المنصور الذهبي" يضمن توفير كمية المياه اللازمة لري وسقي هذه المناطق الخضراء. بذلك يتضح أن مسؤولينا لم يفكروا أثناء تشييد "سد المنصور الذهبي" في مصلحة سكان المنطقة، كما يزعمون ذلك، بل كان هدفهم الأساس جلب العملة الصعبة، وإن كان ذلك على حساب تشريد المواطنين أي سكان المنطقة، ومنهم سكان "واحة تمزموط" طبعا، نعم إنها حقيقة مرة صيغت في قوالب وأقنعة ظاهرها خدمة الصالح العام، وباطنها العذاب...
   ترى في صالح من تحويل واحة درعة إلى ما هي عليه الآن؟ أرض خالية من الشباب، رجال المستقبل، وسوق استهلاكية ضخمة من الشيوخ والنساء والأطفال، لما ينتجه شبابها في المدن الكبرى، كالدار البيضاء مثلا. أهو مخطط مسبق من لدن بعض الفاعلين السياسيين في المغرب؟ أم أنه قدر وحكم شارك في صياغته سكان المنطقة أنفسهم؟
   أسئلة عالقة ومحيرة، لكنها لن تعجز من أعمل النظر والتأمل فيها عن إدراك حقيقة وأصل المشكلة. ومع ذلك تستمر الحياة... 
                                                                          



إضاءة: (حول دوار تمزموط بواحة درعة)
يوجد دوار تمزموط بواحة تنزولين الواقعة بين خ طول 60.°5 و 20.°6  غرب خط غرينتش وخطي °30 و 5.°30 شمال خط الاستواء، وهي واحة تنتشر على طول وادي درعة، بشريط زراعي مسقي، يضيق أحيانا، اتجاه الضفة اليمنى، وأحيانا أخرى اتجاه الضفة اليسرى، تخترقها الطريق الوطنية رقم 9، الرابطة بين مدينتي زاكورة وورزازات، وتبتدئ هذه الواحة، من سد تانسيفت إلى حدود فم أزلاك، كحد فاصل، بينها وبين واحة ترناتة، وتقسم: إداريا بين قيادة تمزموط و قيادة تنزولين ، وتضم أربع جماعات قروية، هي جماعة تمزموط، أولاد يحيى الكراير، تنزولين، وجماعة بوزروال وأجزاء من جماعتي بني زولي والروحا. وبذلك تعد واحة تنزولين واحدة من أهم الواحات الست المكونة، لما يسمى بدرعة الوسطى.
واحة تمزموط