القصة
القصيرة المغربية، كانت في منطلقها استجابة أدبية حداثية لتحول تاريخي
وسوسيوثقافي عميق إعترى المجتمع المغربي٬ ومس بنيته التقليدية المغلقة إثر
الرجة الإستعمارية الموقظة من سبات و المحركة من ثبات. كما كانت من نحو
آخر٬ ثمرة لمثاقفة مزدوجة، ويتعلق طرف منها بالغرب، ( فرنسا على الخصوص)،
ويتعلق طرفها الثاني بالشرق العربي (مصر على الخصوص)٠
.........
وبعبارة محددة، فقد مس هذا التحول في الأساس كلا من تيمات thémes ومضامين
القصة القصيرة المغربية من جهة، كما مس أنساقها و أشكالها من جهة ثانية. أي
مس العروض القصصي الكلاسيكي في الصميم، على نحو يماثل و يشاكل التحول الذي
مس العروض الشعري الكلاسيكي، ومس القصيدة المغربية الحديثة، ذات الصلات
الحميمة بالقصة القصيرة، حتى أضحت القصة في بعض الأحيان،قصيدة. كما أضحت
القصيدة قصة، لدى كثير من القاصين و الشعراء الذين عقدوا مايشبه القران بين
هذين النوعين الأدبيين.
وهكذا يمكن القول بأن العقود الستة الماضية قد شهدت تحولا متمرحلا على مستوى "البارديغم" paradigume أو الهاجس القصصي .
وبصيغة توضحية مجملة و موجزة، يمكن القول بأن الهاجس الأساس الذي شغل بال،
القصة القصيرة المغربية وغذى مادتها الحكائية، خلال الأربعينيات
والخمسينيات، كان هاجسا وطنيا ونضاليا، إكتسى أقنعة وأشكالا مختلفة، مع
بساطة العروض القصصي وتلقائية أدائه وبنائه .
وفي الستنيات و
السبعينيات، وهي مرحلة اختمار واستواء القصة المغربية، كان الهاجس الذي شغل
بالها وغذى مادتها الحكائية، هاجسا إجتماعيا وسياسيا ساخنا٬ بحكم السياق
التاريخي المتوتر و الملغوم للمرحلة، وهي المرحلة الموسومة مغربيا ب (
سنوات الجمر و الرصاص) .
أما في الثمانينيات و التسعينيات، التي شهدت
ولادة أجيال و أسماء قصصية جديدة، كما شهدت إنحسارا و جزرا على مستوى
التطلعات و الطموحات السياسية و الإديولوجية السابقة، فقد أضحى الهاجس الذي
يشغل بال القصة القصيرة ويغذي مادتها الحكائية، حين تحضر و تتأتى هذه
المادة ، هاجسا ذاتيا و فرديا، ينحو منحى غنائياـ منولوجيا يهتم بهموم
الذات ومعاناتها الخاصة من جهة، وبتفاصيل الحياة اليومية وأشيائها الصغيرة
من جهة ثانية، جاعلا من الكتابة القصصية تجربة أو صبوة إبداعية خالصة، لا
علاقة لها بالسياسي و الإديولوجي المباشر٬ إلا على مستوى الدلالة التأويلية
التي يمكن أن يستخلصها القارئ ـ المحللل. ذلك أن الأجيال الجديدة من
القاصين و القاصات وفدت على الساحة، بعد أن سكن فيها وطيس الإيديولوجيا
وخفتت لهبتها، وإن بقيت هذه الساحة مشحونة بتناقضاتها وألغامها، جمرا في
رماد .
......
وخلاصة القول التي نتأدى إليها، أن القصة القصيرة
المغربية، قد شهدت في الآونة الأخيرة، سواء على يد الأجيال الجديدة أو بعض
الرموز من الأجيال القديمة ـ المخضرمة، تحولا عميقا طال مضامينها كما طال
أشكالها. وأهم مظاهر هذا التحول ومؤشراته، تكسير القصة الجديدة للعروض
القصصي بوحداته الموبسانية المعروفة ( مقدمة / عقدة / تنوير) وعدم أو قلة
احتفالها بالمادة الحكائية و الحبكة القصصية، وأيضا عدم أو قلة احتفالها
بالأسئلة والهموم الإجتماعية و السياسية الكبرى، التي تأخذ بمخانق المجتمع،
وانكفاؤها على "الدوائر المغلقة" و" الأشياء الصغيرة " وجنوحها أحيانا إلى
الغموض والتباس الدلالة، واندياح الجملة السردية و الوصفية على العواهن
بلا ضوابط حكائية ملموسة و متلاحمة، وبلا تفرقة أوتمييزبين السردي والشعري،
وبسيولة لغوية متحررة تفتقد الكثافة والتركيز، علما بأن الكثافة والإقتصاد
والتركيز هي من الشروط الأساسية لكل كتابة قصصية جيدة. وحسب عبارة دالة
لرائد القصة القصيرة تشيكوف ف ( إن فن الكتابة يتكون بالإضافة إلى الكتابة
الجيدة من حذف كل ما هو غير جيد من النص بمعنى آخر ، التطريز على الورق ) .
تلك صورة مرفولوجية ـ كرونولوجية موجزة عن القصة القصيرة في المغرب. تلك
صورة أولية عن المشهد القصصي في المغرب. وهو مشهد مسكون في عمقه وقرارته
بكل الهموم و الهواجس الثاوية في قعر الوجدان العربي ، من المحيط إلى
الخليج .
التحية للقصة القصيرة ، طفلة السرد المشاغبة ، و التحية
التقديرية للقصة القصيرة العربية ، مرآة بلورية فاتنة ٬ تجوب الشوارع و
الدخائل العربية.
منقول للفائدة عن نجيب العوفي (المشهد القصصي في المغرب (مقاربة كرونولوجية)) موقع طنجة الأدبية
HADA CHAIO RAYRO MOHIM
ردحذفمرحبا بك، طبعا بالنسبة لك غير مهم، لكن بالنسبة للآخرين على الأقل أنا ربما هو مهم، إلا أن رأيك يحترم أولا وأخيرا...
حذف