السبت، 23 يونيو 2012

تحليل مبسط لقصيدة "في جبال الشمال" لنازك الملائكة لتلامذة الباكالوريا

إذا كانت حركة البعث والإحياء قد اقتصرت على محاكاة الأقدمين والسير على منوالهم عن طريق الاقتداء بأشعارهم شكلا ومضمونا، فإن حركة الشعر الحديث جاءت رد فعل على هذه الحركة، لتكسير بنية القصيدة وتحطيم القيود الفنية الموروثة، بغية تلبية طموحات الأمة العربية، خصوصا بعدما حلت بها نكبة فلسطين 1948 وما رافقها من نكسات.
إذن فما هو الجديد الذي جاءت به حركة الشعر الحر ؟
وما هي خصائص هذه الحركة انطلاقا من القصيدة ؟

بعد اللمحة الأولى للنص وتفحص عتباته نفترض أن الشاعرة ستتحدث عن معاناتها في ديار الغربة، بعيدا عن موطنها الأصلي وهذا يبدو جليا في النص إذ افتتحت نازك الملائكة قصيدتها بأسلوب أمر (عد) وأعادته مرارا وتكرارا داخل القصيدة لعدم تحملها بعدها عن العراق وحنينها إليه، الأمر الذي جعلها تسهب في الحديث عن الطبيعة والغربة، اللتان تشكلان الحقلين الدلاليين للنص، فالألفاظ الدالة على الطبيعة هي (جبال الشمال – الليالي – الرياح...) والألفاظ الدالة على الغربة (عد بنا للذيم تركناهم – شبح الغربة القاتلة...)، هي إذن حقول جاءت لخدمة المضمون الأساس للقصيدة، وتجمعها علاقة وطيدة، فهي تصور لنا الحالة النفسية للشارعة، جراء بعدها عن بلد النخيل، حيث الوجوه الرقاق والأذرع الحانية، وقد صاغت الشاعرة مضامينها في قالب فني أضفى رونقا جماليا على القصيدة، من قبيل الصور الشعرية، كالتشبيه الذي نجده في السطر الشعري السابع، حيث شبهت قوة وشدة عواء الذئاب في بلاد الغربة بصراخ الأسى، الذي ينفجر من داهل قلب الإنسان، سيما عند شهوره بالحزن. والإستعارة، التي وظفتها لتبرز لنا مدى اشتداد الغربة في جبال الشمال، فأصبحت اصوات الرياح تهب بقوة، حتى بلغت درجة النواح، فضلا عن أسلوب الأمر، الذي حضر بقوة داخل النص منذ بدايته إلى نهايته، والشاعرة لا تأمر أحدا، لكنها ترجو عودة القطار عسى أن يعيدها إلى بلدها. ولعل ما يستوقفنا في التحليل الفني لهذا النص استحالة تفكيكه إلى أجزاء، فنازك الملائكة تصف لنا الغربة القاتلة التي تعيشها في جبال الشمال، من حزن وظلام، تقضي أيامها في شوق دائم إلى بلدها، الذي يخلو من المعاناة، وحيث القلوب الصافية تحت ظلال النخيل. علاوة على ذلك، فشكل القصيدة ينبهنا إلى غياب نظام الشطرين، بحيث حل محله نظام السطر، والمقطع الشعري، مما يجعلنا نقف عند الإيقاع الذي اعتمدته الشاعرة في القصيدة، فنجدها من حيث الإيقاع الداخلي توسلت بتكرار بعض الكلمات (في جبال، عد بنا، كل كف، فهناك، انتظار...) بهدف ترسيخ المعنى في ذهن المتلقي وتأكيده، أما من حيث الإيقاع الخارجي، فالشاعرة نظمت قصيدتها على البحور الخليلية، وعمدت إلى تنويع القافية والروي، تبعا للدفقة الشعورية، تلك إذن أهم خصائص شهر التفعلية انطلاقا من القصيدة.


صفوة القول، إن نازك الملائكة وفقت إلى حد ما في تجسيد خصائص الحركة التجديدية ، حيث تناولت موضوعا جديدا ومخالفا للمواضيع المعهودة، وتمردت على مقاييس الشعر القديم، وهذا دليل قاطع على حداثة القصيدة، التي قدمتها لنا بلغة سهلة تتخللها صور حسية تجريدية.


القصيدة:
تقول الشاعرة نازك الملائكة في قصيدة بعنوان: "في جبال الشمال"
عُدْ بنا يا قطار ْ
فالظلام رهيبٌ هنا والسكونُ ثقيلْ
عُدْ بنا فالمدَى شاسعٌ والطريقُ طويل
والليالي قِصارْ
عدْ بنا فالرياحُ تنوحُ وراءَ الظلالْ
وعُواءُ الذئابِ وراءَ الجبالْ
كصراخِ الأسى في قلوبِ البشرْ
عُدْ بنا فعلى المنحدَرْ
شَبحٌ مكفهرٌّ حزينْ
تركتْ قَدَماهُ على كلِّ فجرٍ أثرْ
كلُّ فجرٍ تقضّى هنا بالأسى والحنين
شَبحُ الغربةِ القاتلهْ
في جبال الشّمالِ الحزينْ
*****
عُدْ بنا للجنوبْ
فهناكَ وراءَ الجبالِ قلوبْ
عدْ بنا للذينَ تركناهُم في الضبابْ
كلُّ كفٍّ تلوِّحُ في لهفةٍ واكتئابْ
كل كفٍّ فؤاد
****
عُدْ بنا يا قطارَ الشمالْ
فهناكَ وراءَ الجبالْ
الوجوهُ الرقاقُ التي حجَبَتها الليالْ
عُدْ بنا, عُد إلى الأذرُعِ الحانيهْ
في ظلالِ النخيلْ
حيثُ أيامُنا الماضيهْ
في انتظارٍ طويلْ
وقفتْ في انتظار
تتحرى رجوعَ القطارْ
ديوان نازك الملائكة، المجلد الثاني، دار العودة، بيروت 1997، ص: 126 وما بعدها (بتصرف)

هناك 19 تعليقًا:

  1. السلام أخي إسماعيل
    شكرا لك
    اليوم كانت هذه القصيدة موضوع امتحان بالكلية

    ردحذف
    الردود
    1. اسماعيل عبد الرفيع8 مارس 2013 في 3:29 م

      بعد السلام، مرحبا بالصديق العزيز الأستاذ الشاعر واعزوز، شكرا على مرورك من هنا، رب صدفة خير من ألف ميعاد، هي الحياة، لاندري ما تخفيه لنا، واللبيب من ينتفع بغيره...

      حذف
  2. had l9asida 3andna rad fel fard yarabi tkon hiya d3i m3an akhoya smail


    ردحذف
    الردود
    1. مرحبا، كرا أولا على مرورك من هنا، أتمنى لك التوفيق إن اء الله...

      حذف
  3. CHOKRAN BAZAF 7IT LYOUMA DARNA FIHA LFARD W 3ANDI 5ATAE WA7ED DART 7A9L AL4ORBA OLA5OR DART FIH 7A9L AL7ANIN 3ANDI 5ATAE WACH Y9DAR Y2ATAR 3LA NO9TA

    ردحذف
    الردود
    1. اسماعيل عبد الرفيع23 فبراير 2014 في 5:03 م

      بعد السلام، مرحبا بك في المدونة، اعلم حفظك الله أن هذا التحليل ليس مقدسا إنه مجرد محاولة، ولا أقول أنه هو الصحيح، لذلك لا تفشل، المهم في التحليل هو اللغة والأسلوب الذي تكتب به، وإن اختلفت الحقول أو المضامين، جمالية النصوص الأدبية راجعة بالأساس إلى اختلاف القراء في فهمها مما يعطيها قوة وحيوية...
      آمل أن توفق في الحصول على المعدل...

      حذف
  4. 9asida jmila netmenaw 8ada xino9ta motamayiza

    ردحذف
    الردود
    1. بعد السلام، موفق إن شاء الله، من أسرارالنجاح، أحب ما تعمل حتى تعمل ما تحب،

      حذف
  5. نتمناو هذه القصيدة سنة 2019 انشاء الله

    ردحذف
    الردود
    1. ربما من يدري كل الاحتمالات واردة
      بالتوفيق...

      حذف
  6. ممكن واحد سؤال هل هذه القصيدة اعتمدت القياس الاستنباطي ام الاستقرائي ؟ اريد الجواب الأن

    ردحذف
    الردود
    1. الله يهديك...
      ما علاقة الاستنباط أو الإستقراء بالقصيدة ؟

      حذف
  7. تبارك الله تحليل كافي ومستوفي اتمنى ان اصل او اقترب لهادا المستوى الذي يبدو كالسهل الممتنع

    ردحذف
  8. بإمكانك أكثر من هذا
    بالعمل والجد والمثابرة

    ردحذف
  9. ما هي الرموز التي توجد في القصيدة؟

    ردحذف
  10. اين تكون المضامين في هده القصيدة ها هي عبارة عن وحدات

    ردحذف
  11. هذا الموضوع اجانا فالفرض مااعراب جمله فهناك وراء الجبال قلوب

    ردحذف
  12. أريد تحليل

    ردحذف