الدين والحياة

مجتمعنا ومعظلة الثقة...
   عرفت المنظومة الاجتماعية المغربية في العقود الأخيرة تغيرات ملحوظة، كان لها بالغ الأثر على العلاقات بين الأفراد داخل هذه المنظومة الحساسة والمتأثرة بأبسط الأشياء وأصغرها في نظرنا. وهذا راجع بالأساس إلى كون المجتمعات على مر التاريخ مبنية على تلك الأواصر والتواشجات والتعالقات والخيوط المتينة الرابطة بين أفرادها، فكلما كانت هذه الأخيرة أشد متانة وأكثر حضورا بين أطياف المجتمع، ضمنا لذلك المجتمع الاستمرارية والرقي والازدهار والتطور، وإلا فمآل أي مجتمع تضعف إن لم نقل تنعدم فيه هذه العناصر السالفة الذكر التشتت والتمزق المؤديين إلى الانقراض والزوال..
  ولا يختلف اثنان على أن أساس العلاقات الاجتماعية أولا وأخيرا هو تلك الثقة المتبادلة والمفروض حضورها الدائم والمستمر والحثيث بين الأفراد، لأنها اللبنة الأهم والدافع الحقيقي لتماسك المجتمع وثباته.. ولا يمكننا الحديث عن فشو الثقة داخل المجتمع وبين أفراده إلا بحرص كل واحد منا على التعامل مع الآخرين من منطلق الثقة فيهم – نحن هنا لا نتحدث عن الثقة العمياء- بل عن تلك الثقة التي تستحضر أبسط شروط المعاملة مع الآخرين.... فالثقة مسألة مهمة وضرورية في   العلاقات الخارجية والداخلية كذلك، وكل شخص لا يثق في نفسه ومؤهلاته وقدراته، فرد فاشل، لا يمكن أن نتوقع منه إلا الفشل، لأن الثقة دافع نفسي كبير يساعد الإنسان على نيل مطالبه وتحقيق مبتغاه وأمانيه. وكيف لنا أن نتصور علاقة شخص لا يثق في نفسه بالآخرين. لاشك أنها ستكون علاقة هشة غير متينة، مبنية على الحيطة والحذر الدائمين والزائدين والمستمرين أيضا، ما يدفع بالعلاقة إلى أن تكون سطحية غير ممتدة وغير مؤهلة لتؤتي أكلها وثمارها المرجوين منها.. فالإنسان كما هو معروف وعلى حد تعبير العلامة ابن خلدون كائن اجتماعي بطبعه، لا يمكنه الاستغناء عن الآخرين، لأنه لا ولن يحقق الاكتفاء الذاتي إلا بتواصله وتعامله مع غيره من أبناء جنسه، لذلك أكد ديننا الحنيف وألح على ضرورة التواصل، قال تعالى: "إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أثقاكم".. لكن للأسف الشديد أين نحن من هذا، فنظرة بسيطة على مجتمعنا، تجعلنا نستشف الغياب الكبير لعنصر الثقة بين أفراده، فالأب لا يثق في أبنائه، والأبناء لا يثقون في آبائهم، والأخ لا يثق في أخيه، والأخت لا تثق في أختها، والطامة الكبرى أن الزوج هو الآخر لا يثق في زوجته أقرب الناس إليه، وأكثرهم تعاملا معه، وتصورا معي عائلة أو أسرة، بل الأحرى علاقة زوجية تفتقد إلى عنصر الثقة، ما مصيرها ؟ وماذا سيكون مآلها ؟
    واأسفاه على ما وصلنا إليه، كيف لهذا المجتمع أن يتقدم ويزدهر إذا كان هذا هو واقع حاله ؟
  الكل يحلم ويتمنى الرقي والازدهار والتطور لهذا المجتمع في قرارة نفسه، بدليل تصرفاتنا التي تؤكد عدم رضانا على واقع حالنا، فعنصر الثقة غيب لأسباب عدة، أبرزها الصدمات والنكبات التي تواجهنا بها الحياة، أو التي نتلقاها عاما بعد عام، وشهرا بعد شهر، ويوما بعد يوم، وساعة بعد ساعة، لقد فقدنا الثقة في كل شيء... لكن أهذا هو الحل الغش والخديعة والظن الشك والريبة والخوف... لا أظن ذلك، إننا ننسى كثيرا أن الحياة فانية وإلى زوال، إنها لحظية وجيزة، كلها امتحانات واختبارات وتجارب، يتوجب علينا التسلح والتزود بالعدة الكافية لتفادي الاندحار والهزيمة أمام هذا السيل الجارف والبركان المحموم، ولعل الثقة في النفس والآخرين أبرز سلاح وزاد للصمود والثبات.. ماذا سأجني من وراء تعاملي مع الآخرين بسوء نية، لاشيء غير الخسران والإثم، فلم لا أتعامل معهم إذن بثقة تامة، إن ربحت فذاك، وإلا أحتسب أجري ونيتي على الله تعالى، فالأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، كما جاء في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
          فالثقة الثقة معشر الشباب.. وإلا فالهلاك الهلاك...
وكونوا من ذوي العقول الذكية والقلوب النقية...
                                                                                                                بقلم شامان...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق