الجمعة، 1 فبراير 2013

السي العربي



تأبط "السي العربي" القفة وقفل مسرعا ناحية السوق، حتى لا تراه زوجه فتثقل كاهله بمتطلباتها التي لا تنقضي... لكنه ما فتئ يخطو خطوات حتى سمع صوت "فطومة"، تصرخ ملء حنجرتها:
- ما تنساش تخلص الضو أو تجيب معاك الصندلا لـ"زهور"...
تلقى السي العربي نداءاتها بغضب شديد إذ استدار ورفع يده اليمنى وضرب بها الهواء في نوع من اللامبالاة. واصل طريقه مشتت الذهن، يتحسس بين الفينة والأخرى ورقة نقدية من فئة 50 درها في جيبه هي كل ما يملكه...يطوي الطريق وأفكار كثيرة تتسارع في ذهنه، ثارة يحدث نفسه، وثارة يضحك ليبين عن أسنان صدئة مهشمة بفعل التدخين، نعم يضحك على نفسه، فأربعة أفواه تترقب عودته من السوق بفارغ الصبر ...كم هي الحياة صعبة وقاسية، لو كان يعلم أن الزواج هكذا ما تزوج قط، ولظل أعزبا مثل صديقه "حمو"، هو الآن مرتاح لا ينتظره أحد ولا ينتظر أحدا، لا زوجة تثقل كاهله ليلا ونهارا، ولا أولاد يصرخون في وجهه صباح مساء...لكنه الحب نعم الحب، إنه يذكر كيف كان يترصدها في كل مكان، في الأزقة والطرقات، في المناسبات والبساتين، ليحظى بنظرة من عينيها العسليتين، يذكر كيف كان يتطوع لسقي بساتين "باعلال" أب "فطومة" ويتطلع بفارغ الصبر لوجبتي الفطور والغذاء التي كانت تحملهما له "فطومة"...
وما حب الطعام شغف قلبه       ولكن حب من يحمل الطعاما

آه من تلك الأيام، لم يكن يعلم أن "فطومة" هذه، وكما كانت سببا في سعادته وإقباله على الحياة، ستكون في يوم من الأيام سببا في شقائه وتعاسته. ظل شارد الذهن إلى أن صدمه حمار محمل بطحين وسكر، كان هو وصاحبه راجعين من السوق، ارتعش "السي العربي"، وصرخ في وجه الحمار، لم يدرك في البداية أنه يخاطب حيوانا أبكم، ظل يصرخ، يسب ويلعن، وينفض جلبابه المرقع، أما الحمار فقد واصل طريقه غير آبه بـ"السي العربي"...
تناهى إلى أذنيه الحادتين صوت البائعين عبر مكبرات الصوت، وهم يغرون الزبناء لإلقاء نظرة على سلعهم:
- البخور البخور، بخور ليلة 27، ها الجاوي المكاوي...
- ِركلام ِركلام قرٍب أُوشٌوف اللي ما شرا يتنزه، كلشي 10 دراهم...
- هادوَا الفيران هادوَا الطوبا هادوَا سراق الزيت...
- مطشة 50 أخيزو 60 أوجوج كيلو بـ 100 قرب قبل مايسالي...
اقترب “السي العربي“ أكثر، وبدا له السوق بحرا لجيا يغشاه الناس. توقف قليلا ليستريح تحت ظل شجرة وارف، لكن الروائح الكريهة المنبعثة من المكان، عجلت برحيله، ليواصل السير... استوقفه رجل طاعن السن، رث الثياب، مشقق القدمين، باسطا يده:
- شي صدقة يا وليدي الله إقضي غراضك، الله ارحم بها الوالدين.
رق لحاله، تخيل نفسه مكان هذا الرجل، إلى جانبه فطومة وأبناؤه الأربعة في حالة مزرية، تجعل المارين يتحاشون النظر إليهم، ناهيك عن مساعدتهم... ماذا عساه يفعل فلا فرق بينه وبين هذا الرجل إلا أنه صابر، ولولا أنه يخاف أن تمس كرامته ويخدش كبرياؤه، لمد يده هو الآخر إلى الناس، يستجديهم...اعتذر للرجل برفق، وقد رفع كفيه قائلا:
- الله اسهل آلواليد...
فكر أن يستجير بظل مقهى صديقه “فويتح“، من حر الشمس ولهيبها، إلى أن يسترجع أنفاسه، فتداعت إلى ذهنه في تلك اللحظة صورة “فويتح“ عابسا يمسح الطاولة بعنف، لا يخلصها منه إلا طلب زبون هناك، لذلك استبعد هذه الفكرة، فهي مكلفة.
  اندس وسط الزحام والأمواج البشرية الباحثة عن لقمة العيش، برقبته المشرئبة، ينافح بمنكبيه وراحتيه الغليظتين...نأى بنفسه ناحية الجزارين بعدما أحس بالاختناق، ندت عنه آهة حرى، حاول استنشاق الهواء. تحسس جيبه الأيمن بحركة سريعة، حملق فارغا فاه، وسقط مغشيا عليه... 
بقلم اسماعيل ايت عبد الرفيع
المغرب / زاكورة
 تلمي، قيادة أمسمرير  10/04/2010