السبت، 4 أبريل 2015

تــحــول...
عذرا لا أسلم على الرجال...
كلمات نزلت على أيوب كالصاعقة، لم يتوقع ردة الفعل هذه منها أبدا...خاصة وأن صديقته حياة تمتدحها دائما أمامه... شلت يده الممدودة ونظر إليها بشزر.. حاول أن يقول شيئا يداري به غضبه، لكنه لم يستطع، كان كمن شج بنصل معقوف في حلقه.. ابتلع ريقه بصعوبة ونظر إلى صديقته حياة نظرة استفهام... واصل طريقه إلى جنبها، حاول الالتصاق بها قدر الإمكان وكأنه يحتمي بها أو يستمد منها قوة إضافية.. أسئلة كثيرة تنهشه.. كيف تمتنع هذه الفتاة عن تلقف يده وتحيته ؟ وهو من هو.. أيوب.. محط أنظار الطالبات وعاملات النظافة في الجامعة بله الأستاذات أيضا...كيف وقد قبل حياة للتو أمامها.. من تحسب نفسها حتى تواجهه بهذه الفظاظة في أول لقاء له بها ؟ لولا ما عرف به من خفة دم ولباقة لتطور الأمر إلى ما لا تحمد عقباه، ولكن لكل بداية نهاية يسر  إلى نفسه...
كانت رجاء في هذه اللحظات تفكر في مخرج لهذه الورطة... احمرت وجنتاها خجلا وارتبكت، كانت تسترق النظر بين الفينة والأخرى إليهما، لم تكن لتقوى على قول شيء... كانت كعصفور جريح مهيض الجناح... فجأة رفعت يدها اليمنى مشيرة إلى طاكسي صغير أن توقف... استغربت حياة لرد الفعل هذا غير المتوقع...لكنها أدركت فيما بعد أن زميلتها تبحث عن مخرج.. فتساءلت:
-         إلى أين رجاء؟
-         تذكرت أني على موعد مع زميلة في الحي الجامعي... إلى اللقاء..
لم تنتظر جوابا... لوحت بيدها واندست في المقعد الخلفي للطاكسي.. حملقت حياة ورفعت منكبيها في استغراب شديد.. أما أيوب فودعها بنظرة ملؤها الوعيد والإعجاب والفضول...
لم تكن رجاء لتعلم أن هذا اللقاء سيغير كل شيء في حياتها.. هكذا بدأت خيوط الحكاية التي  تتذكرها بمرارة وأسف فكيف انتهت؟
ما زالت تذكر كيف تجرأت حياة أقرب وأحب صديقة إلى قلبها على مفاجأتها تلك الليلة بما لم تتوقعه أبدا، بل لم تكن لتفكر فيه حتى..
كانت لتتوقع كل شيء منها نظرا لتكوينها والوسط الذي تربت فيه..فحياة نشأت في وسط منفتح نوعا ما مقارنة معها هي التي ولدت وترعرت في أسرة محافظة في قرية جنوب المغرب... لا تزال تنظر إلى الأنثى على أن مكانها الطبيعي هو المنزل.. لهذا تعيش رجاء في قرارة نفسها نوعا من الصراع كلما قاومت تلك الرغبة والنزوات الشبابية التي تعتري الشباب في سن المراهقة بين الفينة والأخرى.. غالبا ما كانت تشرد بذهنها كلما تأملت حياتها وحياة باقي الطالبات وخاصة حياة...لكن الأمل المنغرس في أعماقها وطبعها الصحراوي يمنعانها دائما من الإقدام على تصرفات قد لا تحمد عقباها..
-         رجاء.. لا أدري كيف أقول لك هذا.. ولكن أيوب أخبرني في لقائنا الأخير بأنه يرغب في الزواج بك...
نظرت إليها رجاء في وجوم.. حاولت أن تقول شيئا لكنها لم تستطع ذلك.. فانقلبت الصدمة إلى هستيريا من الضحك وقد دست وجهها بين كفيها..
-         عفوا ماذا قلت حياة...أيوب صديقك أنت يرغب الزواج مني أنا ؟؟
ماذا أسمع يا ربي..هل أنت بخير حياة.. ألم تجدي موضوعا آخر للمزاح غير هذا.. أوصل بك الحد إلى التهكم بنفسك...
-         أنا أيضا مثلك.. أصبت بصدمة كبيرة.. لم أتقبل هذا في بداية الأمر...لكن أيوب تغير كثيرا وأصبح هذا الموضوع حديث لقاءاتنا المتكررة.. لقد أدركت منذ لقائي الأول به أنه لا يحبنبي ولن يحبني أبدا، أنا مجرد صديقة عابرة بالنسبة له...حاولت مواجهة قدري عل الأيام تغير شيئا، لكن ذلك لم يفدني في شيء، لم أستطع امتلاك قلبه كما ملك قلبي أنا، أيقنت بأن قلبه لم ولن يرفرف لي أبدا، هذا هو الكابوس الذي حاولت إبعاده عني لكنه ظل يطاردني في حلي وترحالي، في نومي ويقظتي، حاولت طوال هذه السنوات أن أكون أو أبدو على الأقل سعيدة أمامك وأمام زميلاتي، لكن الحقيقة أنني أتعذب وأتألم باستمرار..كيف لا  وقد فقدت أعز ما أملك شرفي وقلبي، أنا جثة بلا روح يا رجاء... أنا عصفورة مهيضة الجناح..صدقيني..تعبت تعبت..وانخرطت في البكاء كطفلة صغيرة تهشمت دميتها الجميلة..
تأكد لرجاء أن نبرة زميلتها صادقة، حاولت أن تفهم وتستفسر أكثر، لكن دموعها غلبتها لم تستطع مقاومة هذا الإحساس الذي اعتراها، أحست بصداع شديد رغبت في أن تمنحها قلبها، فأقبلت على صديقتها وحضنتها بقوة فما أحوجهما معا إلى صدر حنين إلى لغة جسدية تفهمهما ويفهمانها.. تعالى النحيب والنشيج والآهات، سالت دموع الألم ومعها الآمال والأحلام.. كانت حياة تصرخ من أعماق أعماقها بصوت مبحوح..

يتبع...