السبت، 9 مارس 2013

تحليل مبسط لنص قصصي لتلامذة الباكالوريا

   يتأطر النص الذي بين أيدينا ضمن فن القصة، وهو فن أدبي نثري حديث، عرف تطورا مهما في العصر الحديث عند العرب، وذلك نتيجة لمجموعة من العوامل الداخلية، كمحاولة الكتاب العرب إيجاد شكل جديد يساعدهم على التعبير عن واقعهم، رغبة منهم في الإسهام التغيير، وعوامل خارجية، ارتبطت بالدرجة الأولى بتأثر العرب بالغرب، نتيجة الاستعمار والاحتكاك الثقافي. وقد مثل الفن القصصي في العالم العربي مجموعة من الكتاب المبدعين، كنجيب محفوظ، وأحمد بوزفور، ومحمد إبراهيم بوعلو، وعبد المجيد بن جلون صاحب النص الذي بين أيدينتا، بعنوان "الصياد والبحر"، وبناء على هذا العنوان نتساءل:
ما موضوع النص ؟  وهل استوفى خصائص فن القصة ؟






النص:
                                                                  الصياد والبحر
    كان الصيد عنده رياضة وهواية قبل أن يكون مهنة، ولذلك لم يكن يهتم بنتيجته بقدر ما كان يهتم بفنه، وكانت نفسه تزداد طربا وتنتشي كلما اشتبكت الأمواج وتلاطمت من حوله وقد أشرف على الستين من عمره، ولكنه ما يزال يصارعها كما كان يفعل في سن الثلاثين، وليست له صلة بالأرض ولا بالحوادث التي انتابتها أثناء هذه السنوات الطويلة، ولكنه لا يعرف عنها شيئا بالرغم مما سمع عنها.
    وما زالت الحوادث تنتاب مراكش إلى أن بدأت تقترب من الشاطئ الجميل وقد قيل له: إن الأرض تتغير فلم يكن يخطر بباله ـن هذا التغير سوف يشمل الشاطئ أيضا، ولكن هذا ما حدث، فقد رأى جماعة من الناس يبنون ثم رأى قوارب كثيرة تصل إلى الشاطئ فسولت له نفسه أن يقترب من المكان ليرى ما حدث. لقد رأى جيشا من الصيادين في أسطول من القوارب يستعدون للروع في الصيد. وأخيرا قال لنفسه: ليفعلوا فإن من حق البحر أن يكثر فيه الناس كما كثروا في الأرض، على أن الأمر لم يكن بسيطا إلى الدرجة التي كان يتصورها فقد حدث أن رجع ذات يوم من الصيد منشرح النفس على عادته وجمع أسماكه في انتظار الرجل الذي سوف يحملها إلى السوق، إذ أبصر إلى جانبه رجلين فقام إليهما باشا ليرحب بهما... ولكن أحدهما بادره بهذا السؤال:

- إنه يقول لك - وأشار إلى الشخص الثاني - ماذا تفعل هنا ؟
- هذا سؤال غريب من زائر جديد، من أين جاء هذا الرجل ؟
- هذا الرجل هو صاحب هذا الشاطئ وهذا البحر. فنظر إليه عباس الصياد نظرة عادية فاستفسر:
- ماذا تعني ؟
- ألم تفهم ؟ هذه الأرض وذلك البحر ملك لهذا الرجل ولا يجوز لك الصيد هنا مرة أخرى.
- فتضايق عباس وقال: هيا، قل ما تريد أن تقول، علكما تريدان أن أعطيكما سمكا.
- ألا تعرف اللغة العربية ؟ لا يجوز لك أن تصيد هنا مرة أخرى.
فتضايق عباس وهو يضع راحته على كتف الرجل، ولكن الرجل زحزحها في جد وهو يقول: إذا لم ترحل خلال يوم واحد، فسوف نحطم قاربك ونطردك من هنا.
   كانت دهشته عظيمة عندما أقبل إليه أحدهما وقصد الآخر القارب وشرع يحطمه كما قال بالأمس فأسرع إليه ليمنعه ولكن الرجل دفعه في وجهه، فرد عليه عباس بضربة ألقته على ظهره مشلولا.
تكاثر عليه الصيادون الفرنسيون، وألقي عليه القبض وقضى بعد ذلك في السجن ستة شهور لأنه تجاسر على منع السادة من تحطيم قاربه. ولكن هذا كله مضى الآن، لقد خرج من السجن وهو لا يستطيع العودة إلى البحر لأنه لا يمكل قاربا، ولا يأمن أصحاب البحر الجدد.
   واعتاد بعد ذلك أن يسعى كل يوم إلى الشاطئ إلى أن يبلغ مكانا يرف منه على الصيادين الجدد بعد أن أصبحت الصلة الوحيدة التي تربطه بالحياة هي ذكرياته في البحر، كان يجلس ليسترجع الحوادث ويتخيل الماضي ويعيش بين أشباح الأمواج.
ثم فتر الحماس الذي كان يوحيه إليه البحر وهو راكبه، ودبت اليخوخة في أوصاله بعد أن تعطل عن العغمل وانقطع عن ركوب البحر وحطم بدنه السجن، وعرا عضلاته الكسل وقد باعدت الأيام بينه وبين مصارعة الأمواج، وسعت المآسي والحسرات بعباس الصياد إلى أرذل العمر سريعا، لكنه استيقظ ذات ليلة من ليالي الشتاء وهو يشعر بالآلام تمزقه وبالنهاية تقترب إليه قليلا قليلا، فعزم عزما رهيبا فدخل البحر وظل يتقدم إلى أن وجد نفسه بين قوارب الصيد الفرنسية فدلف إلى أحدها وبدأ يدفعه بكتفه ويتعلق به... وأخيرا استطاع أن ينزل فيه بعد جهد جهيد...
   وبدأت الأمواج تهدهده، ثم تتقاذفه، فأحس رجل البحر القديم بالمشاعر نفسها التي كان يحس بها حينما كان يركب البحر المائج في أيامه الذهبية، وبرقت عيناه فرحا واغتباطا ونسي ما قاساه في أيمه الأخيرة.
                                                 وادي الدماء، عبد المجيد بن جلون، دار الثقافة - ط2، 1987، ص: 41 وما بعدها، بتصرف.

الخميس، 7 مارس 2013

فكر بغيرك


فكر بغيرك 

وأَنتَ تُعِدُّ فطورك، فكِّرْ بغيركَ
لا تَنْسَ قُوتَ الحمامْ
وأَنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ
لا تَنْسَ مَنْ يطلبون السلامْ
وأَنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ
مَنْ يرضَعُون الغمامْ
وأَنتَ تعودُ إلى البيت ، بيِتكَ، فكِّرْ بغيركَ
لا تنس شعب الخيامْ
وأَنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّرْ بغيركَ
ثَمَّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام
وأَنتَ تحرِّرُ نفسك بالاستعارات،فكِّرْ بغيركَ
مَنْ فَقَدُوا حَقَّهم في الكلامْ
وأَنتَ تفكِّر بالآخرين البعيدين، فكِّرْ بنفسك
قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلام

                     من روائع محمود درويش مهداة إلى زوار الصفحة

الأربعاء، 6 مارس 2013

بوح الفؤاد


   صرخ الزوج بصوت مرتفع دوى في السماء وقد اغرورقت عيناه، تذكري أني أحبك وقد أحببتك دائما… ومن يحب لا يستسلم أبدا…
امتقعت وارتعدت وتأهبت أكثر لإلقاء نفسها من النافذة، كانت كلبؤة تزأر في قفص حريري، توزع نظراتها بينه وبين الشارع الذي بدا في عينيها ملاذا وخلاصا ينتظرها بفارغ الصبر.
حاول الاقتراب منها أكثر، لكنها منعته من ذلك، صرخت بأعلى صوتها:
- إن اقتربت أكثر سألقي بنفسي من النافذة.
تسمر الزوج في مكانه، ابتلع ريقه، وانتفخت أوداجه، مد ذراعيه إليها مبتهلا ومتوسلا، في محاولة منه لثنيها عن غيها.
نظرت إليه نظرة ملؤها الحزن والأسى، وتمتمت:
- أنا أعلم فعلا أنك تحبني، لكني لست المرأة التي تستحق حبك، لقد عجزت عن إسعادك، عجزت عن منحك ما كنت تحلم به، أنا لا أستطيع إنجاب طفل لك، أنا لا أصلح لشيء… لا أصلح لشيء…
قاطعها قائلا :
- لكني أحبك كما أنت، هكذا. ومن قال إني أريد طفلا منك؟
ردت بصوت مرتفع وهي تكفكف دموعها:
- كاذب، كاذب، كاذب…كعادتك دائما تظهر ما لا تخفي، ليس هناك رجل في الكون لا يراوده إحساس الأبوة، عبثا حاولت إخفاء ذلك عني، لكن عينيك تكذبان ذلك كلما لمحت أطفالا صغارا يلعبون في الشارع.
قاطعها قائلا:
- وما ذنبكِ أنتِ في ذلك. تلك مشيئة الله، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، اهدئي وتعقلي…
- ما سأفعله هو عين العقل، يجب أن أضع حدا لمعاناتك، لقد أخطأتَ العنوان. لا تزال شابا حاول أن تبدأ حياة جديدة، فأمامك الكثير من الوقت… يصعب علي أن أراك في أحضان امرأة أخرى لذا فكرت أنه يتحتم علي أن أنسل من حياتك، ولا سبيل إلى ذلك إلا بهذه الطريقة، إنه الحل الأمثل لكلانا… وداعا يا حبيبي وداعا…
- لا لا لا…
حاول إنقاذها لكن الوقت كان قد فات…حبيبته أصبحت من الماضي. ست سنوات من العشرة تتحول في لحظة وجيزة إلى كابوس، ذكرى أليمة، ظلت تسكنه، يعيشها في كل دقيقة من حياته، يشعر معها بالدوخة والأسى.
كان يضع على وجهه قناعا ليكون الأسى أنكى وأبقى…
لم يكن يقدر معنى الحزن و الوحدة إذا اجتمعا في سكون الليل البهيم…
تساءل مرارا: ما فائدة الحياة بعدها ؟ أكان ما جرى قدرا محتوما، أم تهورا مذموما؟
عب بطريقة هستيرية من زجاجة النبيذ التي أصبحت لا تفارق يمناه، حاول أن ينام لكنه لم يسطع ذلك، فصورتها تملأ المكان، إنه يراها في كل زاوية من أرجاء البيت، في السرير، في الحمام، في المطبخ، في الحديقة، تطل عليه من التلفاز، من النافذة المشؤومة…
ذات مساء وهو جالس بغرفته وحيدا يحتسي نبيذه، ويتأمل حياته، يسترجع ذكريات الماضي ويعيشها مرة أخرى، خيل إليه أنه يسمع صوتا يناديه من بعيد، صوت مألوف بالنسبة له، تحسس مصدر الصوت، لكن الصوت يبتعد كلما اقترب منه…ظل يتعقب مصدره إلى أن ألقى بنفسه من تلك النافذة، وهو يردد سميعا دعوتِ، سميعا دعوتِ
                                                                                                                                          اسماعيل عبد الرفيع