الأربعاء، 11 يوليو 2012

قصتي مع تمودة المنسية...


 تزخر مدينة تطوان المغربية بالعديد من المآثر التاريخية والمؤهلات الطبيعية التي تجعل منها مدينة سياحية بامتياز، مآثر يعود تاريخها إلى الزمن الغابر ، منها على سبيل المثال “مدينة تمودة” الأثرية التي تقع على الضفة اليمنى لواد مرتيل، على بعد 5 كيلومترات جنوب غربي تطوان.
كثيرا ما سمعت عن تمودة في الماضي لكن دون أن أعرف حقيقتها، ما جعلني أتساءل عن طبيعة وشكل هذا الاسم الملفت: طائر، حيوان، جماد، إنسان، بحر، نبات…؟ كثيرة هي الصور التي نسجتها في مخيلتي الصغيرة لهذا الاسم، لكن وبدافع الفضول سألت وبحثت ونقبت في الكتب لأكتشف في الأخير أن تمودة مدينة صغيرة من المآثر التاريخية التي تميز مدينة تطوان. نعم، إنها معلمة نسجت حولها عديد من الأخبار والروايات التاريخية، كلها تؤكد أنها مدينة تاريخية مرت بمرحلتين: المرحلة المورية وتمتد من القرن 3 قبل الميلاد حتى السنة 40 بعد الميلاد. والمرحلة الرومانية التي تبدأ من السنة 40 بعد الميلاد وتستمر على مدى أربعة قرون. وبخصوص أصل اللفظ فالروايات تنقل أنه لفظ أمازيغي يعني “المروج”. وقد تم اكتشاف الموقع في العشرينات من القرن العشرين.
رغم كل ما جادت علي به الروايات فقد ظلت الشكوك تراودني حول هذه المعلمة التاريخية، لأن الأخبار التي سمعتها عنها كافية بأن تجعل منها قبلة للسياح المغاربة والأجانب على حد سواء، بل أكثر من ذلك مفخرة للمغرب، فأثر تاريخي يحمل حضارات إنسانية بهذا الحجم كفيل بأن يجعله علما على رأسه نار. قلت رغم كل هذا ليس شاهد العيان كمن سمع. فكرت وفكرت فأزمعت في النهاية على ضرورة القيام برحلة استكشافية لهذه المدينة الأثرية التاريخية الفريدة. رحلة جعلتني أصطدم بالحقيقة المرة، فشتان بين تمودة الأستاذ عبد العزيز الخياري وتمودة على أرض الواقع، أرض قاحلة جرداء تمتد على مساحة 8 كيلومترات تقريبا، يغزوها الوحش والدوم والنباتات الشوكية ويعشش فيها البوم، كل أشكال الحياة منعدمة، تذكرت عبدو في زمن الموحدين. رباه معلمة بهذه الحمولة التاريخية تفتقد أبسط الشروط التي تضمن لها البقاء والصمود، هذا إن بقي فيها شيء أصلا، أثر تاريخي مهجور بلا صور يحميه من الحيوانات الضالة التي جعلت منه وكرا وملاذا آمنا، ومن المشردين الذين اتخذوا منه عالما لقضاء وطرهم. رغم أن الموقع الاستراتيجي لمدينة تمودة على ضفاف واد مرتيل وكونها محاطة بالسكان يؤهلها لتتصدر المواقع التاريخية بالمغرب من حيث الأهمية والجمالية. ما يبرز ذوق الفنقيين الرفيع في اختيار المواقع والأماكن الصالة للاستقرار.
ليبقى السؤال مطروحا من المسؤول عن الوضعية التي آلت إليها مدينة تمودة:
الوزارة المعنية، السلطات المحلية، جمعيات المجتمع المدني، وسائل الإعلام، المواطن التطواني، الإنسان بصفة عامة…؟
في الحقيقة الجميع يتحمل قسطا من المسؤولية فيما آلت إليه حالة تمودة، وإن كان ذلك بتفاوت.
فوزارة الثقافة مسؤولة لأنها لم تبادر إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على هذا الأثر التاريخي وحمايته من وسائل التعرية التي عاتت به فسادا، كما أنها مسؤولة لأنها عجزت عن تكوين جمهور يهتم بالآثار التاريخية على غرار وزارة الشباب والرياضة التي استطاعت استمالة جمهور واسع من المواطنين المغاربة.
والسلطات المحلية مسؤولة أيضا لأنها لم تفكر في إنشاء معهد خاص بالآثار التاريخية بجهة الشمال على نحو معهد الآثار بالرباط، هذا الأخير الذي استطاع بفعل مجهودات ثلاثة أساتذة في البداية بتعاون مع شعبة التاريخ أن يعيد لمآثر الرباط بريقها ومكانتها، كما استطاع تخريج ثلة من الطلبة المهتمين بهذا المجال.
وجمعيات المجتمع المدني كذلك مسؤولة لأنها لا تولي في مخططاتها أهمية للمآثر التاريخية، وكل مجهوداتها منصبة على ضمان مصالحها الشخصية، تحت ذريعة المساهمة في التنمية التي دخل المغرب غمارها مؤخرا. هنا نفتح قوسا ونؤكد على أن التنمية البشرية التي لا تركز ولا تعتمد على الموارد والمؤهلات المحلية والداخلية للبلد مآلها الفشل والاضمحلال، ولنا في الدول الغربية خير مثال.
أما وسائل الإعلام فهي ليست مسؤولة فقط، إذ صمتها المطبق مشاركة في الجريمة، ولا يخفى ما لوسائل الإعلام من دور كبير في التأثير على الفرد داخل المجتمع، وكذا توجيه الرأي العام ولفت نظره إلى مثل هذه القضايا البالغة الأهمية!
والمواطن التطواني مسؤول عن الحالة المزرية لمدينة تمودة، لأنه تخلى عن روح المبادرة، إذ كيف يعقل أن ننتظر من شخص أجنبي عن المدينة المبادرة بإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تمودة، فإذا كان الرباطيون استطاعوا بفضل مجهوداتهم حماية مآثر الرباط بالاهتمام بها، فما الذي يمنعنا نحن التطوانيين من الالتفاتة لهذه الكنوز الطبيعية النفيسة التي تحسدنا عليها دول وأمم محرومة.
وأخيرا يبقى الإنسان بصفة عامة مسؤولا عن تاريخ ومصير تمودة لأنه كثيرا ما شكلت المآثر التاريخية دوافع إديولوجية خفية للاستعمار والسيطرة.
هذه قصتي مع تمودة ولسان الحال يردد قول الشاعر العربي:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل        بسقط اللوى بين الدخول فحومل

                                                                                             شامان

هناك تعليقان (2):

  1. hadi 9issa jamila chokran 3la had lma3loma

    ردحذف
    الردود
    1. مرحبا مريم رضا خولة في مدونة شامان، شكرا على مرورك من هناـ وأتمنى أن تكوني صديقة وفية

      حذف